فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

فصل في الاجتهاد والتقليد

صفحة 310 - الجزء 1

  هذا جواب عن سؤال مقدر كأنه قيل: قد ورد مثل ذلك عن الإمام الشافعي وغيره من الأئمة فإنه حكي عنه أنه قال: في سبع عشر مسألة: لي فيها قولان، قلنا: ذلك متأول بوجوهٍ، أصحها أنه يعني أن له فيها قولين قال بأحدهما ثم قال بخلافه بَعْدُ واعتمده.

  وَرَوَى عنه المروروذي⁣(⁣١) أيضًا التردد في ستة عشر أو سبعة عشر موضوعًا وهو دليل على كمال علمه لأن التردد من غير ترجيح يدل على إمعان النظر الدقيق حيث لا يقف على حَالهِ ويدل أيضًا على دينه، لأنه لم يبال بذكر ما تردد فيه وإن كان قد يعاب على ذلك عادة بقصور نظره كما عابه بعضهم وهو منزه عن العيب، قوله:

  ٦٢٩ - وَيُعْرَفُ الْمَذْهَبُ للمُجْتَهِدِ ... بِنَصِّهِ الصريحِ لِلمقلِّد

  ٦٣٠ - وَغيْرِهِ مِثْلُ عُمُوْمٍ شاملِ ... يكونُ في الكلامِ أو مُمَاثِل

  ٦٣١ - بِعِلَّةٍ قَدْ وُجِدَتْ فِيْ غَيْرِ مَا ... نُصَّ عَلَيْهِ فَاعْتَبِرْ ما رُسِمَا

  ٦٢٣ - أَعْنِيْ لِما نَصَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ... وَمِثْلُهُ فِيْ حُكْمِهِ تَعْلِيْلُهُ

  ٦٣٣ - وَلَوْ يَكُوْنُ يا فتى مِمَّنْ يَرى ... تخصّيْصَها فَكُنْ لها مُعْتَبِرَا

  اعلم أن المذهب في الأصل موضع الذهاب، وفي اصطلاح العلماء هو: الاعتقاد الصادر عن دليل أو شُبْهَةٍ أو تقليد، ومِنْهُ الرأي، وأما المعلوم ضرورة فقد يعد العلم به مذهبًا، وإنما يعرف مذهب المجتهد ويضاف إليه ليقلد فيه ويَفْتي به بالعلم بذلك ضرورة أو استدلالًا بنصه الصريح نحو: الوتر سُنَّةٌ أو غير واجب، وبرواية كاملة الشروط وبالعموم الشامل من كلامه، كأن يقول: كل مسكر حرام، فيعرف مذهبه في المثلث التحريم وبِمماثلةِ ما نص عليه كأن يقول في اشتباه ثوبين: أحدهما سَحْقٌ: يجتهد في ذلك فيعرف أن مذهبه في اشتباه طعامين كذلك إلاَّ أَنْ ينص على نقيضه في مثلها وبتعليله بعلة توجد أي يعلم وجودها بإحدى طرقها في غير ما نص عليه، وإن كان يرى جواز تخصيص العلة وهو جواز تخلف الحكم عنها، فإنه لا يقدح في عليتها كأن يعلل حرمة الربا في البُرَّ لكونه مكيلًا مثلًا فتلحق به سائر المكيلات، والأخذ من هذه الوجوه ما عَدَا النص الصريح يعبر عنه بالتخريج، وقد هَجَنَ الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد # على القائلين


(١) المروروذي: هو حسين بن محمد بن أحمد المروروذي فقيه، شافعي، له وجوه وآراء في مذهبه غريبة (ت ٤٦٢ هـ)، أعلام الزركلي ٢/ ٢٥٤.