فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

فصل في الاجتهاد والتقليد

صفحة 311 - الجزء 1

  بالتخريج، قال: لأن الأحكام الشرعية قول عن الله إجماعًا، لأنه إنما يُسأل المفتي عما يثبت من الأحكام عن الله ولا يثبت شيء من الأحكام الشرعية بعد انقطاع الوحي إلا في كتاب الله وفي سنة رسول الله، والمقلد إذا أفتى بشيء فرَّعه على نصوص المجتهد لا يعلم أصولها من الكتاب والسنة لا سيما مع ما تقدم من قاعدتهم في ذلك من عدم لزوم البحث عن الناسخ والمخصص، وعن مذهبه في تخصيص العلة، فمن أفتى بذلك فقد قال على الله بما لم يعلم وقد قال تعالى: {وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ١٦٨ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ١٦٩}⁣[البقرة: ١٦٨ - ١٦٩] ونحوها من الآيات وقد أوضح الكلام في هذا المقام في كتابه (الإرشاد) وللقاضي عبد الله الدَوَّارِيْ نحو من ذلك، وقد أشار إليه في حواشي الفصول بما لا مزيد عليه، وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}⁣[المائدة: ٣] وقال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}⁣[الأنعام: ٣٨] وقال ÷: «ما علمتُ شيئًا يُقَرِّبُكُمْ مِنَ الجنة إلا وَدَلَلْتكُمْ عليهِ ولا شيئاً يُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّار إلاَّ وَقَدْ حَذَّرْتُكُمْ مِنْهُ»⁣(⁣١) أو كما قال، ومِنْ ثَمَّ قال الشافعي: جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة، وجميع السُّنِة: شرح للقرآن، قوله:

  ٦٣٤ - وكلُّ منْ يَرْجِعُ عَمَّا اجْتَهَدَا ... فَواَجِبٌ إيذانُهُ المُقَلِّدَا

  واعلم أنه إذا اجتهد المجتهد فأداه اجتهاده إلى معيَّنٍ وأفتى مَنْ قلَّده فيه، ثم تغير اجتهاده إلى غيره فإنه إذا رجع عنه وجب عليه إيذان المقلد ليرجع المقلد عن رأيه الأول إلى القول الثاني، لأن المفروض أن يستند العامي، وقائده إلى العمل، كون ما عمل به قولًا لذلك المجتهد وإلا كان على مراحل من العمل، ومعلوم أنه بعد الرجوع لم يبق قولًا له فلا يصح أن يعمل به بعده؛ لبطلان شرط العمل وانهدام أصله، فيجب عليه أن يعمل بالثاني، قوله:

  ٦٣٥ - وفي تَجزِّيْ الإجتهادِ اخْتُلِفَا ... فَقِيْلَ بِالْجَوَازِ حَيْثُ عُرِفَا

  أشار إلى أنه وقع الخلاف بين العلماء في تجزؤ الاجتهاد بجريانه في مسألة، أو مسائل


(١) الأربعون حديثًا السيلقية «الحديث الحادي والثلاثون» ومصنف عبد الرزاق برقم (٢٠١٠٠) وابن أبي شيبة رقم (٣٤٣٣٢)، البيهقي في شعب الإيمان برقم (١٠٣٧٦).