فصل في التقليد
  لنفسك، ومن ذلك تعظيمه واحترامه، فذلك وإن كان عملًا يترتب على علمي فلا يجوز التقليد فيه ولا العمل بالظن؛ لأن ذلك لا يجوز إلا لمن عُلم إيمانه، والأصل فيمن ظاهره الإسلامُ الإيمانُ ما لم يعلم أنه قد خرج عنه، وكذا المعاداة وَهِيَ نقيض الموالاة لا يجوز التقليد فيها أيضًا ولا يكفي في العمل بها إلا العلم لترتبها على الكفر أو الفسق وهما مما لا يجوز فيه التقليد، فكذا ما ترتب عليهما من المعاداة، قوله:
  ٦٤٠ - وَيِجبُ التَّقْلِيْدُ عنْدَ البَعْضِ ... فِيْ كُلِّ حُكْمٍ عَمَلِيٍّ مَحْض
  ٦٤١ - حَتْمًا سَوَا كانَ مِنَ الظَنِيّهْ ... مفادُها الظنُّ أو القَطْعيَّهْ
  أشار إلى ما قاله الجمهور من أنه يجب التقليد في الأحكام العملية المحضة أي التي لا يتعلق بها إلا العمل الخالص، وهو قيد أْخْرجَ به العلمية، كما تقدم ووجوب ذلك حتمًا سواء كان من الظنية: التي لا تفيد إلا الظن، أو القطعية: وَهِيَ التي تفيد العلم اليقيني، وأصله القبح عقلًا وشرعًا؛ لأن المقلَّد لا يأمن الخطأ على من قلده، والإقدام على ذلك قبيح كالإقدام على ما لا يؤمن الكذب معه، وقد ذم الله تعالى المقلَّدين وعابهم بالتقليد فقال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ...} الآية [لقمان: ٢١]، أما في القطعيات فظاهر وأما في الشرعيات فإنه لا يؤمن تقصير المجتهد في النظر، ذكره الحفيد في الجوهرة والقاضي علي وإلى هذا أشار الناظم بقوله: عندَ البعض: وإلى عدم جوازه ذهبت البغدادية والجعفران وهو الحق الذي لا محيد عنه، قوله:
  ٦٤٢ - وذلك الوجوبُ يا صاحِ عَلى ... مَنْ لمَ يَكنْ للِاجْتِهَادِ حَصَّلَا
  يريد أن القول بالوجوب على القول به إنما هو على غير المجتهد، سواء كان عاميًا صرْفًا أو عارفًا بشطرٍ صالح من علوم الاجتهاد، فأما المجتهد فيحرم عليه بعد الاجتهاد، قوله:
  ٦٤٣ - وَيَجِبُ البحثُ على المُقَلَّدِ ... والفَحْصُ عَنْ عَدَالَةِ المُجْتَهِد
  ٦٤٤ - والبحثُ عن كَمَالِهِ في عِلْمِهِ ... لِيَقْتدِيْ بفعلِه وحُكْمِه
  يريد أنه يجب على المقلد (على القول بوجوب التقليد): البحث والفحص عن عدالة المجتهد والبحث عن كمال علمه؛ لاشتراط صلاحيته للفتوى بالعلم والعدالة، وإنما ينكشف بالبحث فلا يجوز تقليد الفاسق؛ إذ ليس أهلًا لذلك؛ وهل يستقيمُ الظل والعود أعوجُ؛ وكذا الجاهل؛ لأن غَلَبَةَ الجهالة على الناس توجب الظن بانتفاء العلم، قوله:
  ٦٤٥ - وَالإِنتِصَابُ لِلْفُتيَاءِ كَافِ ... بغيرِ لَا شَكٍّ وَلَا خِلاف
  أشار إلى أنه يكفي مريدَ التقليد للمجتهد إن لم يحصل له الخبر أو الشهرة انتصابُ المجتهد للفتيا من غير قدح من يعتد به في ذلك المنتصب، أما إذا حصل قدح فلا يجوز