فصل في التقليد
  عما روي عن غيرهم كالفقهاء الأربعة من نحو: إيجاب القدرة لمقدورها، وقتل ثلث الأمة لصلاح ثلثيها والرُّؤيَةِ والتجسيم، والحق أن الأئمة الأربعة لا يصح عنهم شيء من ذلك، ولا يصح عنهم قادح يمنع من تقلديهم، وتوليهم للعترة ظاهرٌ، لا سيما الإمام الشافعي حتى نَسَبَهُ الجهال إلى الرفض، حتى صَرَّحَ بذلك في قوله:
  إنْ كَانَ رَفْضًا حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ ... فَلْيَشْهَدِ الْثَّقَلَانِ أَنِّيْ رَافِضِي(١)
  بخلاف كثير من أتباعهم فلهم أقاويل مرذولة لا يلتفت إليها؛ لسقوطها؛ ولو بسطنا المقال في هذا المقام لطال بنا الكلام، وَقصْدنُا الاختصارُ، قوله:
  ٦٥٢ - وَاعْزِمْ عَلَى الأخذِ بِقَوْلِ مُجْتَهِدْ ... مُعَيَّنٍ نَدْبًا هُدِيتَ واعتَمِدْ
  ٦٥٣ - وَفِيْ وُجُوْبِهِ خِلَافٌ يُرْوَى ... فاعتَمِدِ الحقَّ وخُذْ بِالْأقْوَى
  اعلم هداك الله أن الأخذ بقول مجتهد معين والتزامه أولى مِن تركه، ومِن التزام مذهب إمامين فصاعدًا، وهذا بالاتفاق بين القائلين بالتقليد، وفي وجوب ذلك خلاف، فقال المنصور بالله وشيخه: وروي عن أبي الحسين أنه لا يجب، للإجماع المعنوي من الصحابة، فإن العوام كانوا يسألون من صادفوا مِنْهُم ولا ينكرون عليهم، قوله:
  ٦٥٤ - ويَحرُمُ انتقالُهُ مِنْ بَعْدِ مَا ... يَصِيرُ فِيْ مَذْهَبِهِ مُلْتَزِمَا
  ٦٥٥ - إلاَّ إذاَ مَا كَانَ أَهْلًا للنَّظَرْ ... مُرَجِّحًا لنفسِه ما قَدْ ظَهَرْ
  أشار إلى أنه يحرم على المقلد العمل بقول غير إمامه والانتقال إلى مذهب غيره، وذلك الالتزام في رُخَصِهِ وعزائِمِهِ جميعًا، أو في حكم معين بأن ينوي اتباعه في ذلك الحكم وحده، أو في حكمين، أو في أحكام معينة، وهذا على ما اختاره الجمهور؛ قياسًا على المجتهد إذا اجتهد، ووَفَّى الاجتهاد حقه، فأداه اجتهادهُ إلى حكم من الأحكام، لم يجز له العمل بقول غيره، بغير مرجح كما تقدم، وأشار بالاستثناء إلى أنه إنما يحرم عليه إذا لم يكن أهلًا للنظر، فأما إذا كان أهلًا للنظر والترجيح مرجحًا لنفسه فإنه ينتقل إلى ترجيح نفسه ولا يحرم عليه الانتقال حينئذٍ بل يجب عليه الانتقال، فأما التنقل إلى المذاهب؛ لمجرد اتّباع الشهواتِ والرُّخَصِ بأن يختار لنفسه ما يؤديه إلى نيل الشهوة فهو محرم قطعًا، قال الذهبي في
(١) ديوان الإمام الشافعي ط ١/ ٨٩ تحقيق - الدكتور محمد عبد المنعم - دار الرؤيا للطباعة والنشر.