فصل في الترجيح
  «ترك الوضوء مما مست النار»(١) وكحديث ابن عباس في شاة مولاة ميمونة أنها ماتت فقال: «هلَّا انتفعتم بإهابها»(٢) مع حديث عبد الله بن حكيم أنه ÷: كتب إلى جهينة قبل موته بشهر «لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ»(٣) أو متضمنًا للتشديد دون الآخر؛ لأن التشديدات لم تجيء إلا بعد قوة الإسلام وقوة شوكته، وكذا إذا كان أحدهما أمس بالمقصود وأقرب إليه من الآخر مثل قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ}[النساء: ٢٣] مع قوله تعالى: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء: ٣] فإن الأُوْلَى: تدل لعمومها على تحريم الجمع بينهما في الوطء أعم من أن يكون بالنكاح أو بالملك أو بهما، لأنه وإن كان سياق الآية في تحريم النكاح لا ينافي أن يعطف عليه تحريم الجمع بينهما في الوطء مطلقًا، والأخرى: تدل بعمومها على إباحة الوطء في الملك لكن الأولى أمسُّ بالمقصود، لأن الكلام فيها مسوق للتحريم بخلاف الأُخرى، فإنها مسوقة لإيجاب العدل بين الأزواج والله أعلم، وكذا إذا كان الخبر موافقًا للقياس فإنه يرجح أيضًا، ولما فرغ من الكلام في الترجيح بين المنقولين شرع في الكلام في الترجيح بين العقليين كقياسين فقال:
  ٧١٢ - ورَجَّحُوا بِحَسْبِ حُكْمِ الأَصْلِ ... مِمَّا سَيَأْتِيْ فاستَمِعْ ما أُمْلِيْ
  ٧١٣ - بكَوْنِ حُكْمِ أَصْلِهِ قَطْعِيَّا ... أَوْ كَوْنِهِ دَلِيْلهِ قَوِيَّا
  ٧١٤ - أَوْ كَانَ لَمْ يُنسَخَ باتِّفَاقِ ... مِن دُونِ لَا خُلفٍ ولَا شِقَاق
  أشار بذلك إلى الترجيح بحسب حكم الأصل بمعنى أنه إذا كان حكم الأصل في أحد القياسين قطعيًّا والآخر ظنيًّا فإنه يرجح القطعي على ما ليس كذلك، أو لم يكن قطعيًّا بأن كانا ظنيين فإنه يرجح ما كان دليله قويًّا على الضعيف، أو أقوى مِنْهُ إذا اشتركا في القوة كأن يثبت في أحد الأصلين بالمنطوق والآخر بالمفهوم، أو لم ينسخ باتفاقٍ، والآخر مختلف فيه، لبعده، والله أعلم. ثم أشار إلى الترجيح بحسب العلة فقال:
(١) أمالي الإمام أحمد بن عيسى ١/ ٣٢ والجامع الكافي ٢/ ٢٣٤، والبخاري رقم (٥٠٣٦)، ومسلم ٢/ ٢٦٣ باب نسخ الوضوء مما مست النار، وغيرهم.
(٢) أصول الأحكام ٢/ ١٩ النسائي (٤٥٦١) وابن ماجة ٢/ ١١٩٣ رقم (٣٦١٠).
(٣) الطبراني في المعجم الأوسط رقم (٦٤٩٠) وابن أبي شيبة برقم (٢٥٢٧٧).