خاتمة في الحدود
  ٧٥٨ - أو أَنَّهُ قَرَّرَ حُكْمَ الحَظْرِ ... أَوْ حُكْمَ نفيٍ فاعتمدْ مَا يَجْرِيْ
  ٧٥٩ - أو دَارئُ الحدِّ على سِواهُ ... فاحفظْ هَدَاكَ اللَّهُ مَا قُلْنَاهُ
  ٧٦٠ - وَالآنَ قَدْ تَمَّ لَنَا نِظَامُهَا ... فالحمدُ للهِ على تَمَامِهَا
  ٧٦١ - ثُمَّ الصَّلَاةُ والسلامُ النّامِيْ ... على النّبيِّ سيِّدِ الأنام
  ٧٦٢ - مُحَمَّدٍ وَآلهِ الكِرَامِ ... أَهْلِ التُّقَى الأَئِمَّةِ الأَعْلَام
  أشار الناظم إلى الترجيح بحسب الحدود، فذكر أنه يرجح الذاتي على ما سواه، وهو العرضي(١) لكون الذاتي يدل على كُنْه الشيء وحقيقته بخلاف العرضي، وكذا يرجح ما كان نصًا صريحًا على ما ليس كذلك؛ لعدم احتماله إلَّا لمعنى واحد، بخلاف غيره، وكذا يرجح الأعم من الحدود على الأخص لشموله لأجزاء المحدود، وقيل: بالعكس؛ لأن الأخص أدلُّ لعدم احتماله، وكذا يرجح ما وافق النقل الشرعي، وكذا اللغوي كقولنا: الخمر ما أسكر فهو موافق لقول الشارع ÷: «مَا أَسْكَرَ فَهُوَ خَمْرٌ»، وكذا موافق للغة أيضًا فإن معناه عندهم ما يخامر العقل، وهذا المثال هو مثال العموم مع قول الآخر: الخمر هي التي من العنب إذا أسكر، فالأول أعم من الثاني، وكذا يرجح بعمل أهل المدينة أو الخلفاء الأربعة أو جميع العلماء، أو بعضهم ولو عالمًا واحدًا نحو: أن ينقل عن أي هؤلاء أنه يقول في الخمر: هو ما أسكر، وعن غيرهم: هي التي من العنب إذا أسكر، فإنه يرجح ما عمل به، أي هؤلاء على ما لم يعملوا به، وكذا يرجح ما كان فيه تقرير حكم الحظر أو حكم النفي فإذا كان أحد الحدين مُقَرِّرًا لأحد الأمرين والآخر بخلافه قدم المقْرر، أما الحظر فلأنه أحوط وأما النفي فلأنه الأصل.
  مثاله: قول الشافعي: الحدث انتقاض الطهارة الشرعية، لخروج شيء من السبيلين، أو لسبب خروجه: كالنوم مضطجعًا، مع قول الحنفي: هو انتقاض الطهارة الشرعية بخروج ما يخرج من باطن الآدمي أو بسببهِ الأكثري: كالنوم، والقهقهة في الصلاة، فالأول أرجح لتقريره حكم النفي الأصلي في الرعاف والقيء، والقهقهة، وغيرها، وكذا يرجح ما يدرأ الحد على غيره، فإذا كان أحد الحدين يلزم من العمل به درأ الحد، ومن الآخر إثباته رجح ما يدرأ الحد.
  مثاله: في الزنا الموجب للحد: إتيان المرأة في قبلها من غير ملك النكاح ولا شبهة، مع قول
(١) مثال الذاتي أن يقال: في حد الخمر: شراب مسكر، ومثال العرضي أن يقال: في حده: مائعٌ يقذف بالزبد. انتهى حاشية للمؤلف ص (٢٧٣).