حد هذا العلم
  القوم بالعقل بحسب تمايز الموضوعات، فإن علم الفقه مثلًا إنما امتاز عن علم أصول الفقه لأنه: عِلْمٌ يبحث فيه عن أفعال المكلفين من حيث إنها تحل وتحرم وتصح وتفسد، وعلم أصول الفقه: باحثٌ عن أدلة الأحكام الشرعية من حيث إنها تُسْتَنْبَطُ عنها، فلو لم يعلم الشارع(١) أن موضوعه أي شيء هو؟ لم يتميز العلم عنده زيادة تمييز، ولم يكن له في طلبه زيادة بصيرة. وغاية هذا العلم: العلم بأحكام الله تعالى وَهِيَ سبب الفوز بالسعادة الدينية والدنيوية.
  وموضوعه: الذي يبحث عنه فيه: الدليل، واستمداده: من الكلام لتوقف الأدلة على معرفة الصانع، وصِدْق المبلَّغ، ومن العربية؛ لأن الأدلة من الكتاب والسنة عَرَبِيَّةٌ، ومن الأحكام؛ والمراد علمها بالحد ليمكن إثباتها أو نفيها بعد ذلك وأما حكمه فالوجوب على الكفاية فأما حده فقد أشار إليه بقوله: -
حَدُّ هَذَا العِلْمِ
  ١٨ - فإِنْ أرَدْتَّ حدَّهُ الإِضَافِيْ ... من دُونِ تَطْوِيْلٍ وَلَا اعْتِسَاف
  ١٩ - فالأَصْلُ يَا صَاحِ هُوَ الدَّلِيلُ ... يَدْرِيْهِ كُلُّ مَنْ لَهَ مَعقُولُ
  ٢٠ - والفقهُ عِلْمُ المرءِ بالأَحكَامِ ... أحكامِ شرعِ اللَّهِ ذِيْ الإِنْعَام
  ٢١ - أَعْنِيْ بها الفَرْعِيَّةَ المُحَصَّلَهْ ... فهمًا عن الأَدِلَّةِ المُفَصَّلَهْ
  أشار الناظم إلى حد أصول الفقه الإضافي، فالأصل لغةً: ما ينبني عليه غيره من حيث يبتني عليه، وفي الاصطلاح: ما ذكره الناظم وهو الدليل، وسيأتي تعريفه إن شاء الله. والفقه في اللغة: فهم المعنى الخفي، واصطلاحًا: العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية. الأحكام: جمع حكم، وسيأتي، وبقيد الشرعية: أخرج الأحكام العقلية: كالعلم بأن المثلين والضدين لا يجتمعان، والحسية: كالعلم بأن الشمس مشرقةٌ، والنار محرقةٌ، والاصطلاحية: كالعلم بأن الفَاعِلَ مرْفُوْعٌ، وبقوله: الفرعية: أخرج الأصولية، وقوله: عن أدلتها التفصيلية: بيان للواقع إذ الإجمالية كمطلق الكتاب، والسنة؛ لا يحصل بها الاستنباط فلا يستند مثلًا في إباحة البيع إلى كون الكتاب حجة قاطعة يجب العمل به؛ بَلْ إلى الدليل التفصيلي وهو قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}[البقرة: ٢٧٥]. قوله:
(١) المراد بالشارع هنا المبتدئ في طلب علم أصول الفقه - والله أعلم.