القسم الرابع من أقسام السنة
  والمراد أنه إذا علم ÷ بفعل، أو قول، أو ترك من مكلفٍ غيره ولم ينكر عليه وكان قادرًا على إنكاره، لا إن لم يكن قادرًا على الإنكار فلا تأثير لسكوته، وَعَدَمِ إنكاره اتفاقًا لجواز إنكاره مع حصول القدرة، وليس مثل مضي كافر إلى كنيسة، إذْ لو كان كذلك، لم يكن لسكوته ÷ أثر في الجواز، ولا يكون قد أنكر غيره إذ لو أنكره أحد وعلمه كان سكوته تقريرًا للإنكار؛ لا للمنكر، وقوله: حينئذٍ: أي حين وقت ما ذكر دَلَّ ذلك التقرير على الجواز، أي: كونه مشروعًا وجوبًا أو ندبًا أو كراهةً أو إباحةً للمقرر مطلقًا، ولغيره، إمَّا لمشاركته في علته، أو لأن حكمه على الواحد حكمه على الجماعة، فإن سبق التقرير حكمٌ مخالفٌ كان نسخًا أو تخصيصًا، فإن استبشر به فأوضحُ دلالة على الجواز من مجرد السكوت، كما روي أن مُجَزِّز المدلجي مَرَّ بزيد بن حارثة وأسامة وقد ناما في قطيفةٍ وغطيا رؤوسهما، وبدت أقدامهما، فلما رأى ذلك؛ قال: هذه الأقدام بعضها من بعض، فلما ذكرت القصة للنبي ÷ سُرَّ بذلك سرورًا عظيمًا، وَحُكْمُ مجززٍ في قيافته كمضي كافر إلى كنيسة، مما علم أنه ÷ منكرٌ له على الإجمال لما اشتهر من سعيه ÷ في إِمَاتَةِ طرق المشركين، وَبُعْدُهُ عن متابعتهم، وإنما استبشاره بها لموافقتها الحق مع إلزام الخصم بما يعتقده.
  فائدة: القيافةُ: الاهتداء إلى الشيء؛ يقال: قاف الأثرَ قيافةً إذا اهتدى له، والقافة: جمع القائف؛ وهو من يعرف الآثار، ومُجَزِّزْ بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الزاي الأولى، وقيل: إنه بالحاء المهملة الساكنة، ثم زاي مكسورة، ذكره في جامع الأصول والأول ضبطه صاحب شمس الشريعة، قوله:
  ٩٥ - وَلَيْسَ فِيْ أَفعالِهِ تَعَارُضُ ... لِأَنَّهُ حِيْنَئِذٍ تَنَاقُضُ
  التعارض بين الشيئين هو تقابلهما على وجه يمنع كلٌ منهما مقتضى صاحبه من جميع الوجوه أو بعضها. واعلم أنه لا تعارض في أفعاله ÷ لأنه إما أن تتناقض أحكامهما، أَوْ لا تتناقض كأن يكونا متماثلين كصلاة الظهر في وقتين أو مختلفين يتصور اجتماعهما في وقت كالصوم والصلاة أو لا يتصور كصلاة الظهر والعصر، فلا خفاء في عدم التعارض لإمكان الجمع بين أحكامهما، وإن تتناقض كصوم يوم معين وأكل في آخر مثله فلا تعارض؛ لجواز أن يكون الفعل واجبًا في وقت وجائزًا في آخر؛ مع أنه لا يكون رافعًا ومبطلاً حكم الآخر، إذ لا عموم للفعلين ولاَ لأحدهما، وإنما يتصور التعارض بين قولين أو قول وفعل وإلى ذلك أشار بقوله: