فتح الوصول شرح جواهر الفصول في علم الأصول،

الحسن بن إسماعيل الحسني (المتوفى: 1270 هـ)

تقديم الخبر على القياس

صفحة 98 - الجزء 1

  قاضي دمشق قال له عمر: كيف تقضي؟⁣(⁣١) قال: أقضي بكتاب الله، قال: فإذا جاء ما ليس في كتاب الله؟ قال: أقضي بسنة رسول الله ÷. قال: فإذا جاء ما ليس في سنة رسول الله ÷؟ قال: أجتهد رأيي وأُؤ امِرُ جلسائي، فقال له عمر: أحسنت، وعنه: لما بعث شريحًا⁣(⁣٢) على قضاء الكوفة قال: انظر ما تبين لك في كتاب الله فلا تسأل عنه أحدًا، وما لم يتبين لك في كتاب الله فاتبع فيه السنة، وما لم يتبين لك في السنة فاجتهد فيه رأيك، والآثار في هذا كثيرة جدًا، وشاع بين الصحابة تقديم الخبر على القياس، ولأنه يصير حينئذ من تقديم الفرع على الأصل؛ لأن القياس إنما يثبت بالخبر فكيف يُقَّدمُ الفرع على أصله، وأما ما خالف الأصول المقررة وَهِيَ الكتاب والسنة والإجماع المعلومة، فإذا قضى الخبر الآحادي في عين ما حكمت به الأصول المذكورة بخلافه، كتحليل وتحريم على جهة النسخ فإنه يُرَدُّ؛ لأنه لا يقوى الظني على مقاومة القطعي خلافًا للظاهرية الجامدة، قوله:

  ١٢١ - وَكُلُّ ما نافَى قياسَ الأصلِ ... فَإِنَّهُ يُقْبَلُ عندَ الكُلّ

  أي أن كل ما نَافَى: أي خالف مقتضى قياس الأصول ظاهرًا فإنه يُقْبَل؛ جمعًا بين الدليلين إذ هو الواجب مع إمكانه، والمراد بقياس الأصول: القواعد المقررة فيه التي استقرأت وتقررت وضبطت، مثاله: أنه قد وقع الإجماع على ضمان مثل الِمثْلِيِّ وَقِيْمَة القِيْمِيِّ، ثم ورد خبر المصراة: فإنه روي عنه ÷ أنه قال لمن اشتراها: «لك خير النظرين إن شئت فخذها وإن شئت فاردْدها واردد معها صاعًا من تمر» ذكره في أصول الأحكام وغيره⁣(⁣٣)، فهذا مخالف لقياس الأصول، ومثل ذلك أنه وقع الإجماع على أن الحرية لا تنقل، ثم ورد الخبر بنقلها كما في حديث عمران بن حصين أن رجلًا أعتق ستة مماليك وهو مريض ولم يكن له غيرهم، فجزَّأَهُم رسول الله ÷ ثلاثة أجزاء، فأعتق اثنين وأرق أربعةً، وَجْهُ ذلك: أن كل عبد مِنْهُم يُعتقُ ثُلثهُ⁣(⁣٤)، فلما أمر ÷ بالقرعة⁣(⁣٥) في حريتهم نقل


(١) هذا بعيدٌ؛ لأنَّ معاذًا نفر من عمر بن الخطاب، ولحق بجيش الفتوح بالشام، بسبب: أخذ عمر ما كان قد أنحله رسول الله ÷ لمعاذ، وأصل هذا الحديث من رسول الله ÷ لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن. والله أعلم.

(٢) شريح بن الحارث بن قيس الجهم الكندي، تولى القضاء لعمر وعثمان وللإمام علي (ت ٧٨ هـ)، أعلام الزركلي ٣/ ١٦١.

(٣) أصول الأحكام ٢/ ٦١ رقم (١٧٩٨) ط ١ - ١٤٢٥ هـ، مركز بدر للطباعة والنشر، والتجريد ٤/ ٨٨، ومسلم ٣/ ١١٥٨ رقم (١٥٢٤).

(٤) لأن وصية المريض لا تنفذ إلا في الثلث.

(٥) تأمل: فصار فعل النبي ÷ للقرعة سنة كالأذان في أذن المولود ونحوه.