فصل في السنة وأقسامها
  الثلث الحر من الأربعة إلى الإثنين اللذي خرجت القرعة بحريتهما، وهذا المثال ذكره الشارح وهو غير محل النزاع؛ لأن الإجماع المذكور إنما وقع على من قد عرفت حريته بعينه وإسلامه، والخبر لم يوجب رِقَّ من عُرفت حريته بعينه، بل حيث التبس التعيين ولم تكن مما نحن فيه فتأمل.
  فائدة: المصَرَّاةُ: من صَرَّيْتُهُ إذا جمعتَهُ، والمراد: الشاة أو نحوها التي جمع اللَّبنُ في ضرعها وترك حلبها ليظنها المشتري كثيرةَ اللَّبَنِ، وهذا المقام من مظانِّ مزالق الأقدام لتعسر الفرق بين الأصول وقياسها فتأمل، فعند الكرخي وأبي عبد الله أن خبر القرعة والمصَرَّاة مما خالف الأصول نفسها، فيردان، وذهب الشافعي إلى أنهما مما خالف قياس الأصول فيقبلان، وظاهر كلام علمائنا في خبر الأَعْبُدِ مثل قول الكرخي، وعند الإمام يحيى # أن خبر القرعة والمصراة وضرب الدية على العاقلة مما خالف الأصول، وخبر نبيذ التمر والقهقهة ووجوب غسل اليد(١) مخالفة لقياس الأصول، وقال صاحب الفصول: (والتحقيق أنها من قسم التخصيص(٢)، فتحمل عليه) وسيأتي له مزيد تحقيق في باب التخصيص إن شاء الله، قوله:
  ١٢٢ - وَهِيَ تَجوزُ يَا فَتَى بِالمعنَى ... من عارفٍ يَضْبطُ ذَاكَ ذِهنَا
  اعلم أنه لا خلاف في جواز الرواية باللفظ وأنه الأولى، وإنما الخلاف: هل يجوز بالمعنى فيما لم نُتَعَبَّدْ باللفظ فيه، كالأذان وأذكار الصلاة وغيرها؟ أما هو فلا خلاف أيضًا في وجوبه باللفظ، فحينئذ محل النزاع في جوازها فيما لم نتعبد بالتلفظ به، والذي اختاره أكثر العلماء جوازها، وحجتهم: ما روي عن يعقوب بن عبد الله بن سليمان الليثي عن أبيه عن جده قال: أتينا رسول الله ÷ فقلنا: (بآبائنا وأمهاتنا إنا لنسمع منك الحديث ولا نقدر على تأديته كما سمعناه منك؟ فقال: «إذا لم تحلوا حرامًا ولم تحرموا حلالًا وأصبتم المعنى فلا بأس» أخرجه الحكيم الترمذي(٣) وابن عساكر(٤) وأخرجه الحكيم أيضًا عن أبي هريرة وأخرجه ابن مَنْدَة أيضًا من حديث عبد الله بن سليمان مرسلًا بلفظ (إني أسمع منك الحديث ولا أستطيع أن أؤديه كما سمعته)(٥)، فدل على جوازها بالمعنى، وإنما يجوز ذلك
(١) أي بعد حمل الجنازة كما قال ابن عباس لأبي هريرة: كيف نغسل اليد من حمل خشبة يابسة؟
(٢) الفصول اللؤلؤية: باب التخصيص ١٤٢.
(٣) الحكيم الترمذي: محمد بن علي بن الحسن الترمذي، باحث، صوفي، محدث، (ت ٣٢٠ هـ)، أعلام الزركلي ٦/ ٢٧٢.
(٤) ابن عساكر: أحمد بن محمد (ت ٦١٠ هـ)، أعلام الزركلي ١/ ١١٧.
(٥) معرفة الصحابة ٩/ ٤٤٠.