لمحات من السيرة النبوية الشريفة،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

معاملته ÷ مع عدوه

صفحة 175 - الجزء 1

  يبدو من نفاق المنافقين، ولا يؤاخذهم ولا يكشف أستارهم إلا أن يأمره الله تعالى بشيءٍ من ذلك، ومن شواهد ما ذكرنا أن النبي ÷ حين مات عبدالله بن أُبيّ رئيس المنافقين حضر النبي ÷ جنازته، وكفَّنه في ثوبه، وصلى عليه، وقام على قبره، ثم نزل عليه القرآن بعد ذلك ينهاه عن الصلاة على المنافقين: {وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنۡهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦٓۖ ...} الآية [التوبة: ٨٤].

معاملته ÷ مع عدوّه

  كانت قريش ألدَّ أعداء النبي ÷ وأشدَّهم عليه، ولم يلقَ ÷ من غيرهم مثل ما لقيَ منهم، كذَّبوه واستهزأوا به وآذوه، وحاصروه مع بني هاشم سنين في مكة، وعذبوا أصحابه، ثم طردوه، ثم بعد ذلك حاربوه في بدر، ثم في أحدٍ حيث جرى هنالك أكبر قتلة في صفوف المسلمين على عهد النبي ÷، وفي هذه المعركة جُرِحَ النبيُّ ÷ في وجنته جُرحاً سالت منه الدماء، وكُسِرَتْ رباعيّته، وأسقطوه ÷ في حفرةٍ مما أدى إلى أوجاع في رِجْلي النبي ÷، ثم غزوه يوم الخندق في جيوشٍ جرَّارةٍ، لولا عناية الله وتأييده لنبيه ÷ لاكتسح ذلك الجيش المدينة، ولكن الله برحمته هزمهم وردهم خائبين، ثم صَدّوا النبي ÷ وأصحابه وما معهم من الهدي عن دخول مكة للعمرة، وكان النبي ÷ والمسلمون مُحرِمين.

  وعلى الجملة فقد بذلت قريش قصارى جهودها، وبذلت غايات مجهودها في سبيل إطفاء نور الإسلام، والقضاء على دين محمد عليه وآله الصلاة والسلام، وسلكت في ذلك كل السبل الموصلة إلى مطلوبهم، ولم يتركوا من مجهودهم في ذلك أيّ شيء، ولم يزالوا كذلك من أوّل دعوة النبي ÷ إلى أن قهرهم الإسلام وغلبهم، ودخلوا فيه راغمين كارهين.