لمحات من السيرة النبوية الشريفة،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

الإسراء

صفحة 55 - الجزء 1

  الضحى يُبَيِّنُ الله تعالى فيها لنبيه الكريم مُقْسِماً أنَّهُ ما تركه وما أبغضه، وأنه ما زوى عنه الدنيا وأعطاها لغيره إلا لأن الآخرة هي خيرٌ لهُ وأفضل من الدنيا، ثم أخبرهُ في هذه السورة بعظيم رحمتهِ بهِ وكبير فضله عليه، فقال سبحانه: {أَلَمۡ يَجِدۡكَ يَتِيمٗا فَـَٔاوَىٰ ٦ وَوَجَدَكَ ضَآلّٗا فَهَدَىٰ ٧ وَوَجَدَكَ عَآئِلٗا فَأَغۡنَىٰ ٨}⁣[الضحى]، ونزل أيضا في مثل ذلك سورة: {أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ ١}، يُطَمْئِنُ اللهُ تعالى قلبَ نبيِّه أن ما هو فيه من الشِّدَّةِ والتكذيب والضعف ليس لهوانه على الله؛ بدليل ما أعطاه الله تعالى من شرح صدره ووضع وزره ورفع ذكره، وأكّد له بعد ذلك أنما هو فيه من العسر لا بد أن يعقبه اليسر.

  ٢ - أن هذه الحادثة الكريمة ستكون آيةً بينة ودلالةً واضحةً على صحةِ نبوّته وصدق دعوته، وإكبات المكذّبين، والتخفيف من استهزائهم، وذلك أن النبي ÷ لما أصبح صباح تلك الليلة تحدَّث بِما أَكرمَهُ الله تعالى به من كرامةِ الإسراء تلك الليلة من المسجدِ الحرام إلى المسجدِ الأقصى، فقصَّ ذلك على المُسلمين والمشركين، ولغرابتها استمع إليها المشركون وأنصتوا، ورأوا أنهم سيجدون فيها طريقاً إلى زيادة الاستهزاءِ، فكذَّبوا بما سمعوا واستهزأوا، وسألوه أن يصف لهم المسجدَ الأقصى إن كان صادقاً، فوصفهُ لهم كما هو من غيرِ زيادةٍ ولا نُقصان فخرسوا، وأخبرهم ÷ بما رأى في الطريق، وأنه أكفأ إناء ماءٍ لواحد من مسافري قريش في مكانٍ سمَّاه، وأخبرهم أنه يطلع عليهم بعض مسافريهم من ذلك المكان بعد شروق الشَّمسِ، فكان الأمر كما قال وأخبر، فكانت هذه الحادثة سبباً لزيادة إيمان المؤمنين وتثبيتاً لهم، وحُجةً على المُكذبين وإسكاتاً لهم، وللتخفيف من استهزائهم.