[صحة الاستدلال على الباري تعالى بالآيات المثيرة وما يلحق بذلك]
  على أقوى طرق الفكر، فهي في الدرجة الأولى في الدلالة، وصَحَّ إطلاق اسم الدلالة عليها، (كالدليل على كونه) تعالى (حيّاً) فإنه دليل بالتدريج عند أبي هاشم، وهو كونه قد صحَّ منه الفعل، وصحة الفعل مترتبة على كونه تعالى قادراً، والقادر لا يكون إلا حيّاً، فصحةُ الفعلِ درجةٌ أُولى والقدرةُ درجة ثانية. وهذا ردٌّ على أبي هاشم ومن تبعه.
  وأمَّا الرد على غيره فقد أوضحه # بقوله: (والظنّي إن كان كذلك) أي: مثيراً ومنبِّهاً للعقل (فصحيح) أي: القولُ بصحة الاستدلال به على التدريج الذي ذكرنا صحيحٌ، (و) أما (غير المثير) فهو (دور)؛ لتوقف معرفة الآيات الغير المثيرة والانقياد لحكمها على معرفة الله سبحانه، والفرض أن معرفة الله سبحانه إنما حصلت بها، وهذا حقيقة الدور، إلَّا أن يقال: إنَّ أصل معرفة الله سبحانه جملةً ضروريةٌ كما سبق.
  وقد قال القاسم بن علي العياني # في كتاب الأدلة من القرآن على توحيد الله وصفته: ولا بدَّ من معارضٍ لنا في علم القرآن ممن اكتفى بأَفَانِين الكلام، وجعل من ذلك دليلاً على الرحمن - يقول: إنَّ القرآن لا يغني علمُهُ عن النظر، فإذا قال ذلك قائل - قلنا: فالنظر دلك عليه نفسُك أم دَلَّكَ عليه خالقك في مُنْزَلِ كتابه؟ فإن قال: إنَّ نَفْسَهُ دَلَّتْهُ على ذلك من قبل دلالة خالقه - فقد أحال ووجد الله سبحانه يأمره بذلك أمراً في كتابه، ويندبه إليه ندباً، ووجد في جميع ما أمر(١) به دليلاً يُغني عن كل دليل، ويهدي إلى كل سبيل، وإنما أسماؤه التي تَسَمَّى بها وصفاته التي وَصَفَ بها نفسه لنا دلائلُ عليه؛ ليستدل بها القاصدُ ليباشر قلوبَهم اليقينُ البت(٢)، وتستشعر أنفسهم الحق المثبت.
(١) في (أ): أمره.
(٢) أي: القاطع.