فصل: [في ذكر المؤثرات]
  قديمة أوجبت العَالَمَ في الأزل، وهي عندهم الباري - تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً - (وغيرهم) كالأشعرية والكرامية: (بل) وغيرُ الفاعلِ مؤثرٌ حقيقة، (و) هو (العلة والسبب)؛ لأنهم قالوا: المؤثرات ثلاثة ولا رابع لها، قالوا: لأن المؤثر: إما أن يكون تأثيره على جهة الوجوب أوْ لا، الثاني: الفاعل المختار، والأول: إما أن يؤثر في إيجاب صفةٍ أو حكمٍ أوْ لا أيِّهما، الأول: العلة، والثاني: السبب، فكانت ثلاثةً فقط.
  وقوله #: (وما يجري مجراهما) أي: ما يجري في التأثير مجرى العلة والسبب، (وهو الشرط والداعي) أراد به # عند أكثرهم.
  وقوله #: (البهشمية(١) [وغيرهم(٢)]) أي: أبو هاشم ومن تبعه: (والمقتضي) إلْحَاقاً للمقتضي بالشرط والدَّاعي عند البهشمية في كونه جارياً مجرى العلة، وإن كان المقتضي عندهم مقدَّماً.
  قال #: (فالعلة(٣) عندهم) أي: تفسيرها عندهم (ذاتٌ مُوجِبةٌ لصفةٍ) للجملةِ، كالعلمِ في المخلوق الموجبِ للصفة وهي العالمية، والحياةِ فإنها توجب للحي كونَه حيّاً، والقدرةِ توجب للقادر كونَه قادراً، أو للمحلِّ، كالكون فإنه يُوجب لمحلِّه الكائنيَّةَ - أي: الاحتراك أو السكون أو الاجتماع أو الافتراق - (أو حكمٍ) قالوا: وهو المزية التي تُعلم عليها الذات باعتبار غيرين - أي: ذاتين - أو غيرٍ وما يجري مجرى الغير، كالمماثلة والمخالفة فإنه لا يمكن تعقُّل ماهيَّةِ المخالفةِ بين الشيئين حتى يتصورهما، وكذلك المماثلة.
  ومثال ما لا يُعلم إلا بين غيرٍ وما يجري مجرى الغير: صحةُ الإحكامِ فإنها حكم مقتضى عن العلم على رأي، وعن العالمية على آخر، وهي تُعلم باعتبار غير - وهو
(١) فرقة من المعتزلة أصحاب أبي هاشم. (من الشرح الكبير).
(٢) مثبت من الشرح الكبير.
(٣) العلة لغة: ما يتغير به المحل، كالمرض. (ش ك).