(فصل): [في ذكر أن صفات الله تعالى ذاته والجواب على من خالف في ذلك]
  وقد نبه الله سبحانه وتعالى على هذا فقال: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} الآية [المرسلات: ٢٠] وغيرها من الآيات المنبِّهة على ذلك.
  وكذلك القول في الثمار والأشجار والحبوب لا تنبت إلا عند شروطٍ مخصوصة من بذرٍ وسَقْيٍ وغرسٍ في موضع تطلع الشمس عليه فالجواب فيه كالجواب في خلق الإنسان، وهو أن في ذلك من المصالح ما لا يخفى؛ لأن الله تعالى خلق الدنيا للتكليف والامتحان، فَحَسُن في الحكمة أن يُجْرِيَ الله تعالى العادةَ فيما يُحدثه على وجهٍ يكون أدعى للمكلف إلى الصالحات، وقد علمنا أن المكلف إذا علم أنه لا يحصل على ما ينتفع به من ثمارٍ وزرعٍ إلا بتحمل مشاق: من زرع وسقي ثم الحصاد في موضع قد حميت الشمس عليه ورأى ذلك حسناً في عقله لما يرجو من نفعه - علم إذا نظر وفكَّر أنَّ تحمل المشاق في طاعة الله تعالى لنيل الثواب أوْلى، مع ما أَعَدَّ اللهُ له من الثواب الجزيل على تحمل المشاق في ذلك، وغير ذلك من أنواع الحكمة.
(فصل): [في ذكر أن صفات الله تعالى ذاته والجواب على من خالف في ذلك]
  قال (جمهور أئمتنا $) وهم جميع المتقدمين منهم وبعض المتأخرين (والملاحميَّة) وهم أصحاب محمود بن الملاحمي ومتابعوه: (وصفات الله تعالى هي ذاته) لا غير ذلك؛ وذلك بناء منهم على ما اقتضاه دليل العقل والنقل والسمع.
  أما العقل والنقل فإن المعلوم من لغة العرب أنَّ الوصف والصفة: هو المعنى القائم بالجسم، كالعلم القائم بالإنسان، ولمَّا كان هذا مستحيلاً في حق الله تعالى لاستحالة كونه تعالى حالَّا أو محلولاً، وقد ثبت أنه تعالى قادرٌ وعالم وحي وموجودٌ - كانت صفاته هي ذاته تعالى لا غير.
  وأما السمع فقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} الآية [الشورى: ١١]، وقول علي #: (بَايَنَهُمْ بصفته ربّاً كما باينوه بحدوثهم خَلْقاً، فمن وَصَفَهُ فقد شبَّهه، ومن لم يصفه فقد نفاه، وصفته أنه سميع ولا صفة لسمعه)، وقوله #: (وَكَمَالُ الْإِخْلَاصِ لَهُ