(فصل): في ذكر الإدراك في حق الله تعالى
  حال عدمه)؛ لأنه جعل آلةً للإدراك حين يوجد المدرَكُ، وليس ذلك من قبيل العلة والمعلول.
  (وأمَّا الثاني) من الإلزامين، وهو أن يعدم المعنى ويوجد المدرك ولا يدرك؛ لعدم المعنى - (فملتزم) أي: نحن نقول به، وهو (لا يقدح) في قولنا؛ إذ هو (نحو وجودِ المدرَكِ عند الأعمى والأصَمِّ) فهما غيرُ مُدْرِكَيْنِ له قطعاً، (وعدمُ إدراكهما(١)) إنما كان (لعدم المعنى) الذي جعله الله آلةً للإدراك، (وأنتم) إذا(٢) (جعلتموه قادحاً فيلزمكم) مثلُ ما ألزمتمونا أيضاً، وهو (أن يدرك) أي: المدْرَك (لوجوده) أي: لكون المدرك موجوداً (في حال عدم الحياة)؛ لأنكم جعلتم وجودَ المدْرَكِ لازماً للإدراك؛ (إذ لا فرق) بين اللازمين، (فالجماد عندكم) بهذا الاعتبار (سميع بصير)؛ لأجل وجود المدرَكِ كما زعمتم، والمعلوم بطلانه.
  (قالوا:) لو كان الإدراك في حق الله تعالى بمعنى العلم لما وجدنا الفرق بين الإدراكِ للشيء والعلمِ به، و (قد وجدنا الفرق بين العلم والإدراك بالسمع والبصر)، وذلك (كلو فتح أحدُنا عينيه وأمامَهُ مرئيٌ) فإنه يراه لا محالة، (ثم) إذا (غمَّض) عينيه لم يره مع أنه يعلمه قطعاً، فعلمه به حين يغمِّض عينيه مغايرٌ لإدراكه حين فتح الحدقة؛ فثبت الفرق بين العلم والإدراك، (وأجلى الأمور) الفارقة (ما وُجِدَ من النفس) أي: من العقل.
  (قلنا: إنَّا لا ننفي إدراكه تعالى للمدركات) أي: علمه بها، (لكن بذاته) لا بسمع ولا بصر ولا حياة (كما سيأتي إن شاء الله تعالى).
  وأما اختلاف الإدراك في حق الله سبحانه فمحال؛ لأن الاختلاف إنما يكون بحسب الآلات، والآلة لا تكون إلا للمخلوق(٣) كما يأتي إن شاء الله تعالى.
(١) في النسخ الثلاث: إدراكه. وفي المتن والشرح الكبير: إدراكهما.
(٢) في الأصل و (ب): إذ. وفي (أ): إذا.
(٣) في (أ): ولا تكون الآلة إلا للمخلوقات.