(فصل): في ذكر الإدراك في حق الله تعالى
  (وأما قياسكم له تعالى) على المخلوق في فتح العين وتغميضها (ففاسد؛ لأنه ليس له تعالى من جارحة عينين يفتحهما ثم يغمضهما - تعالى الله عن ذلك - فالفرق بينكم وبينه جَليٌ؛ إذ لا يُدرِك) جل وعلا (بالحواس ولا يقاس بالناس، ليس كمثله شيءٌ، ولم يكن له كفوأً أحد)؛ فبطل ما ذكره المخالف، وصح ما ذكره أئمة أهل البيت $.
  واعلم أن مسألة الإدراك لا يريدون بها الاقتصار على السمع والبصر، بل يريدون جميع أنواع المدركات أنها مخالفةٌ للعلم في حق الله تعالى، قال النجري في شرح القلائد: واعلم أن التعبير عن هذه الصفة بكونه مدركاً كما ذكره الإمام - يعني: الإمام المهدي أحمد بن يحيى # - أولى من التعبير عنها بكونه سامعاً مبصراً؛ لأن كونه مدْرِكاً يشمل جميع أنواع المدْرَكات: المسموعات، والمبصرات، والمطعومات، والمشمومات، والملموسات، فإنَّ الله تعالى يدركها جميعاً، لكنه لا يسمَّى شامّاً ولا طاعماً ولا لَامِساً كما أنهُ يسمَّى سامعاً مبصراً.
  قال: وهي(١) تشارك الصفات الأربع في الوجوب، وتخالفها في كون تلك ثابتةً في الأزل، وكونُه مُدْرِكاً متجدِّدةً؛ إذ هي مشروطة بوجود المدرَك.
  قلت: وقوله: «لكنه لا يسمى شامَّاً ولا طاعماً ولا لامِساً كما أنه يسمى سامعاً مبصراً» فرارٌ غير مُخَلِّصٍ؛ لأنه إذا كان «سامعاً مبصراً» حقيقةً له تعالى بمعنى حيٍّ لا آفة به فكذلك يكون حكم الشَّامِّ والطاعم واللَّامس، فيلزم أن تطلق هذه الأسماء كلها على الله تعالى؛ لأنها كلها عندهم بمعنى: حي لا آفة به، أو حيّ ليس بذي آلة على حسب اختلافهم في ذلك، ومع ذلك فهو حقيقة عندهم، فإذا كان حقيقةً فلا تفتقر إلى السمع؛ فكان يلزم أن يجوز إجراء هذه الأسماء على الله تعالى على قياس قولهم: إن الإدراك صفة زائدة على العلم، وذلك لا يجوز اتفاقاً.
(١) أي: كونه مدركاً. (ش ك).