فرع: [والله ليس بذي مكان]:
  وتحقيق مذهبهم أنهم يقولون: إنه تعالى عَرَض يحل في الصورة الحسنة؛ عشقاً منه لها، فاتَّحَدَ بها وِحْدَةً نوعية، وهؤلاء هم الحلولية(١) انتحلوا مذهب بعض النصارى حيث قالوا: إن الله تعالى اتَّحد بالمسيح، كما يأتي إن شاء الله تعالى.
  (قلنا) - ردّاً على الجميع -: (الحالُّ لا يكون ضرورة) أي: يعلم بضرورة العقل أن الحَالَّ لا يكون (إلا جسماً أو عَرَضاً، والله تعالى ليس بجسم ولا عَرَض؛ إذ هما محدثان كما مَرَّ) في «فصل: حدوث العالم» (والله تعالى ليس بمُحْدَث كما مَرَّ، ولقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ})، وما كان حالّاً في غيره أو محلاً لغيره فهو مشابه لغيره محدثٌ كحدوثه؛ إذ الحَالُّ والمحلولُ جسم وعَرَض لا غير.
  وأما قولهم: «إن القول بأنه لا داخل في العالم ولا خارج عنه نفيٌ له» فغير مُسلَّمٍ، وإنما هو نفي أن يكون من جنس العالم. وأما كون الأوامر والنواهي وإنزال الكتب وإرسال الرسل ونزول الرحمة والعذاب من جهة فوق، فَلِمَا جعل الله سبحانه في إسكان الملائكة À السماواتِ من المصلحة، وهم رسل الله سبحانه إلى عباده بالخير والشر، ولِمَا فطر الله سبحانه الهواء على حمل السحاب وإنشاء المَطَرِ فيه، وكونه سبباً لأرزاق الحيوان، وغير ذلك من المصالح العظيمة والمنافع الجسيمة، فكل خير ينزل من السماء وكل بلاءٍ كذلك؛ فلذلك شرع فتح الأكُفِّ في الدعاء بالخير وتوجيه باطن الراحة إلى السماء، وقَلْبها وتوجيه الراحة منها إلى الأرض عند الاستعاذة من الشر واستكفاء الشدائد، تفاؤُلاً، وبما وصفنا من منافع الهواء وآثار الحكمة فيه وما لم نذكره - يعلم أنه مخلوق لمنافع الخلق، ولأنه جُعلَ متنفَّساً للأرواح.
(١) وهم الذين يقولون: إن الله سبحانه وتعالى يحل في الصورة الحسنة عشقاً منه تعالى لها، فإذا وجدوا امرأة جميلة أو أمرداً جميلاً حلقوا عنده حلقاً ويقولون: «الله الله الله» يكررونها ويشيرون إلى الصورة بأصابعهم، ويبيحون المحرمات من الزنا واللواط والخمر وسائر المحرمات غير القتل، وهؤلاء لا شك في كفرهم؛ لتشبيههم الله ووصفهم له بالصفات السخيفة، وردهم للقرآن بتحليل ما حرمه. (الجواب الراقي للمولى العلامة الحسين بن يحيى الحوثي ¦).