(فصل): [في الإشارة إلى ما يجب معرفته من ذات الله ø]
  والذي يجب على المكلف: أن يعلمه جل وعلا ربّاً، مالكاً للسماوات والأرض ومن فيهما، أولاً، آخِراً، قادراً، عليماً، سميعاً، بصيراً، أوجد العالم من العدم المحض، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، لا إله إلا هو، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ...}[الشورى: ١١]؛ وذلك (لتعذر تصوره تعالى) أي: لاستحالة تصوره؛ (لما ثبت من أنه تعالى ليس بجسم ولا عَرَض، والتصورُ إنما يكون لهما) أي: للجسم والعَرَض (ضرورةً)، أي: يُعلم بضرورة العقل أنه لا يصح التصور إلا فيما كان كذلك، فثبت أنه لا طريق للمخلوق إلى معرفة كنه ذاته تعالى؛ ولهذا قال الوصي #: (ما وَحَّدَهُ من كَيَّفَه، ولا حَقِيقَتَهُ أصابَ من مثَّلَه، ولا إياهُ عَنَى من شَبَّهَه، ولا صَمَدَهُ من أشار إليه وتوهَّمه)، وقال #: (العقل آلة أُعطيناها لاستعمال العبودية لا لإدراك الربوبية، فمن استعملها في إدراك الربوبية فاتته العبودية ولم ينل الربوبية).
  وقال القاسم بن إبراهيم #: جعل الله في جميع عباده فَنَّيْنِ: العقل والروح، وهما قِوَام الإنسان لدينه ودنياه، وقد حواهما جسمه وهو يعجز عن صفتهما فكيف يتعدى هذا الجاهل إلى وصف الخالق وليس يقدر على وصف المخلوق! وإلى مثل هذا أشار الإمام # بقوله: (وتعذرِ فهم التعبير عن كنهها) أي: لتعذر تصوره تعالى وتعذر فهم التعبير إلى آخره، وكنهها، أي: حقيقتها؛ (لأن(١) التعبير إنما يُفهم
(١) كلام الإمام وكلام الأعلام لا يحوم حول ما توهمه المستشكل في هذا المقام، فإن مرادهم بالتعبير الذي لا يفهم إلا عما يدرك بالمشاعر: هو التعبير الذي يكون به بيان الحقيقة وإيضاح الكنه والتصوير، وهو كما ذكره الإمام # لا يصح ضرورة إلا عما يدرك بالمشاعر، وعلى هذا مساق كلام سيد الوصيين وأبنائه الإئمة الهادين، وأما ما أبهم على صاحب الإشكال وارتج ولم يتضح له إلى الجواب عنه منهج من العلم بما لا يدرك بالحواس، والتعبير عن وجود الملك الخبير فإنه لا يعلم منه ولا يراد به التعبير عن الكنه والتكييف والتحديد والتعريف، ولعمري لو أرجع البصر وكرر النظر لما فاه بما صدر، ألا يرى كلام الإمام حيث قال: وتعذر فهم التعبير عن كنهها، وقوله: والعلم بأن للمصنوع صانعاً لا يستلزم معرفة كنه ذات صانعه، وقول الشارح: فإن العقل لا يهتدي إلى معرفة كنه ذات صانعها، وهذا أبهى وأجلى من أن يتلا ويملى، فلكل جواد كبوة، =