[معاني الفتنة]
  {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ الله عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ}[الحج: ١١].
  (و) قد تكون الفتنة (بمعنى الإضلال عن طريق الحق)، كما (قال تعالى:) {فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ١٦١ (مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ ١٦٢ إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ ١٦٣}) [الصافات]، أي: ما أنتم بمُضلين عن طريق الحق إلا من هو من أهل الضلال الذين لا تنفع فيهم الهداية، وأمَّا من قَبِلَ هُدَى الله تعالى ورفض ما سواه فلا تقدرون على إضلاله.
  (و) قد تكون الفتنة أيضاً (بمعنى العذاب)، كما (قال تعالى: {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ}) [الذاريات: ١٣]، أي: يُعذبون. قال في الصحاح: تقول: فتنتُ الذهب، إذا أدخلته النار لتعرف ما جودته، ودينار مفتون. وقال الخليل(١): الفَتْنُ: الإحراق، وَوَرِقٌ فَتِينٌ، أي: فضةٌ مُحَرَّقَة.
  إذا عرفت ذلك (فيجوز أن يُقال: فتن الله المكلفين، بمعنى اختبرهم بالتكاليف) أي: فعل بهم فِعْلَ المختبِرِ بالتكاليف التي حمَّلهم إياها (والشدائد) التي تلحقهم في الدنيا من نقص الأنفس والأموال، (و) يجوز أن يقال: إنَّ الله تعالى (يفتنُ المسخوطَ عليهم بمعنى يعذبهم) بذنوبهم التي ارتكبوها.
  قالت (العدلية: لا بمعنى يُضلهم عن طريق الحق) أي: يُغويهم ويُميلهم عن طريق الحق فلا يجوز؛ لأنها صفة ذم، (خلافاً للمجبرة).
  (قلنا: ذلك صفة نقص وذم لله تعالى)، بل هو ذمٌّ في حق المخلوق المحتاج
(١) الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي اليحمدي، أبو عبد الرحمن: من أئمة اللغة والادب، وواضع علم العروض. وهو أستاذ سيبويه النحوي. ولد ومات في البصرة (١٠٠ - ١٧٠ هـ) وعاش فقيراً صابراً. له كتاب (العين - خ) في اللغة، و (معاني الحروف - خ)، وكتاب (العروض) و (النقط والشكل). (الأعلام للزركلي باختصار).