(فصل) [والحق في الظني من الفروع واحد أيضا]
  (فقال تعالى: {بَغْيًا بَيْنَهُمْ}) أي: لأجل البغي من بعضهم؛ (لَمَّا كان الحق مع بعضهم فبُغِيَ عليهم) بالبناء للمفعول، أي: بُغي على ذلك البعض الذي الحق معهم (بالمخالفة والشقاق لهم) حسداً (بعد ما عُرف) بالبناء للمفعول أيضاً (أن الحق) الذي أمر الله به (بأيديهم) أي: بأيدي ذلك البعض المبغي عليهم.
  (إمَّا) أن يكون عُرِفَ ذلك (بما ذكرنا من النصوص والأمارات) التي في الكتب المنزلة أن الحق بأيدي ذلك البعض، (وإمَّا بالنص على أن ذلك البعض) الذي بُغي عليه بالمخالفة والشقاق (هو المُوفَّق لإصابة الحق) وذلك نحو ما ورد في عترة النبي ÷ من (نحو قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ...} الآية [الأحزاب ٣٣]، وقوله ÷: «إني تارك فيكم ...» الخبر) تمامه: «ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله وعترتي أهل بيتي، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض».
  وإنما اختص ذلك البعض بتوفيق الله لهم (حيث نَوَّر قلوبهم لَمَّا أطاعوه) بامتثال أوامره والانتهاء عن مناهيه فزادهم الله هدىً (لقوله تعالى: {إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا} [الأنفال ٢٩] كما مَرَّ، وذلك) أي: التوفيق لإصابة الحق هو (معنى قوله تعالى: {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ}) [البقرة ٢١٣]، أي: نَوَّرَ قلوبهم ففهموا الحق الذي وقع الاختلاف فيه (بإذنه) أي: بإرادته وهدايته لهم، ففي هذه الآية الكريمة دليل على أن الحق الذي أمر الله باتِّباعه واحد وأن بعض خلقه أصابه، وبعضهم أخطأه وخالفه بغياً وعدواناً.
  إنْ قيل: إنَّ قوله تعالى: {بَغْيًا بَيْنَهُمْ} يُشعر بأن الاختلاف وقع في المسائل القطعية؛ لأنها هي التي يُعلم البغيُ فيها من المخالف ولا نزاع أن الحق فيها واحد(١).
(١) قال في هامش الأصل: بياض في الأم وغيرها من النسخ، ويمكن الجواب: بأن البغي هنا ليس إلا المخالفة والشقاق، والقطعية والظنية سواء في ذلك، فالتخصيص خلاف الظاهر، والله أعلم. تمت من خط سيدي الحسين بن القاسم #. وقال في هامش (أ): هذا بياض في جميع النسخ =