[مقدمة المؤلف]
  العَطْف - بفتح العين - وهو المصدر، كنَّى بذلك عن التكبر والميل عن الحق؛ لما كان المتكبر المائل عن الحق يثني عطفه، أي: يعطف شقه ({لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ}) [الحج: ٩]، الخزي: الفضيحة والهوان - (أحببت أن أكشف المسوح عن ضئيل الأقوال) أي: ضعيف الأقوال (في غيابات الظلم) وهذا جواب «لمَّا». والمراد بالمسوح: جهالات الجاهلين، وهي الشُّبه التي زعموا أنها أدلة وحجج على أقوالهم، شُبهت بالثياب السودِ الكائنةِ في ظلمة فلا يُستضى ما غطته؛ لتأكد الحجاب من الظلمة وسواد الثياب. وغيابة الشيء: غَوْرُه وما غاب منه عن عين الناظر وأظلم من أسفله. وشبه باطل أقوالهم بالشيء المحسوس الضار كالسمِّ ونحوه الذي يكون في الدَّحل(١) - وهو الهُوَّة - أو في الغيابةِ - وهي قعر البئر - وهو مع ذلك مستور بثياب سودٍ، والجامع بين المشبَّه والمشبَّه به خشيةُ الضرر من غير شعور، ويسمى إطلاق لفظ المسوح على الشُّبَهِ استعارةً تصريحيةً؛ لأنه ذكر المشبه به وأريد به المشبه، ويسمى إطلاق لفظ المشبه - أعني: ضئيل الأقوال - على المشبه به - وهو السم الموصوف بما ذكر - استعارةً بالكناية؛ لأنه كنى بذكره فأريد به المشبه به، ويسمى إطلاق لفظ المسوح أيضاً فوقه وكشفها عنه وكونها في غيابات الظلم استعارةً تخييلية؛ لأنها قرينتها، وهي مما يلائم المشبه به، ولا يمنع كونها استعارة مصرحة عن شيء من كونها استعارة تخييلية عن شيء آخر.
  ولا يخفى ما في هذه الاستعارات من المناسبة والفصاحة والبلاغة وبراعة الاستهلال. (لإزاحته) أي: لإزالة ذلك الضئيل (بإشراق ما حضرني من بدور أقوال(٢) أعلام خير الأمم) أي: بضياء ما وقفت عليه من أقوال علماء أهل
(١) الدَّحْل - بالفتح ويُضَمّ -: غار صغير الفم وسيع داخله ربما أنبت السدر. تمت قاموس من هامش (أ).
(٢) شبه أقوال الأعلام المذكورين بالبدور المشرقة في الوضوح والدلالة. (ش ك).