[الجواب على من أنكر بعض ما يدرك العقل]
  المدح والثواب والذم والعقاب - عندهم بالشرع فقط، قال صاحب العضد(١): أما الحاكم فهو عندنا الشرع دون العقل.
[الجواب على من أنكر بعض ما يدرك العقل]
  (لنا) حجة على مخالفينا (في جميع ذلك) الذي قدمنا ذكره (تصويب العقلاء)، مسلمين كانوا أو كفاراً، (مَنْ مَدَحَ أو أَحْسَنَ إلى المحسن ولو تراخى) مدحُهُ وإحسانه بزمان طويل، (و) تصويب العقلاء كذلك أيضاً (من ذم أو عاقب المسيء ولو تراخى) بزمان طويل أيضاً؛ وما ذاك إلا لحكمِهم بحسن الفعل الممدوح فاعلُهُ عليه والْمُحْسَن إلى فاعله بسببه، وحكمِهم بقبح الفعل المذموم فاعلُه عليه والمعاقَب فاعلُه بسببه، وحكمِهم أن فعل الإحسان - كالإكرام - وفعل الإساءة - كالظلم - متعلَّقٌ للمدح والثواب والذم والعقاب من غير فرق بين العاجل والآجل، ولو كان بينهما فرق لأنكروا على من عاقب أو أحسن أو ذم أو مدح بعد مدة طويلة أو قصيرة، ولكانوا يقولون: قد وقع التراخي فليس لك أن تعاقب ولا تكافئ ولا تمدح ولا تجازي، وهذا معلوم البطلان؛ فإنا نعلم قطعاً أن من لطم غيره أو قتله بغير حق أنه يستحق بسبب ذلك الذم والمعاقبة من غير فرق بين التراخي وغيره، ومن أحسن إلى غيره أنه يستحق بسببه المدح والمكافأة من غير فرق كذلك.
  فإن قالوا: إن لطم الغير أو قتله مما يُستكره وينافر الطبع فالعقل يدرك قبحه من جهة ذلك ولا نسلم أنه من جهة تعلق الذم والعقاب به، وكذلك الإحسان إلى الغير صفة كمال فيدرك العقلُ حسنه من جهة ذلك، لا من جهة تعلق المدح والمكافأة به ..
(١) هو عبدالرحمن بن أحمد بن عبدالغفار، أبو الفضل، عضد الدين الأيجي. عالم بالأصول والمعاني والعربية، من أهل أيج بفارس، ولي القضاء. من تصانيفه: المواقف في علم الكلام، والعقائد العضدية، والرسالة العضدية، في علم الوضع، وشرح مختصر ابن الحاجب في أصول الفقه، [وغيرها]. مات مسجوناً [سنة] ٧٥٦ هـ. (الأعلام للزركلي باختصار).