عدة الأكياس في شرح الأساس لعقائد الاكياس،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(كتاب الوعد والوعيد)

صفحة 367 - الجزء 2

  ثم اختلف هؤلاء هل يمكن الاستدلال بالسمع وحده على استحقاق العقاب أو لا يمكن وإنما هو مؤكِّدٌ لدليل العقل؟ فقال القاضي عبد الجبار: استحقاق العقاب لا يُعلم إلَّا عقلاً والشرع مؤكِّدٌ.

  وقال الشيخ أبو رشيد: بل تجوز دلالة الشرع عليه دلالة مستقلة عن العقل.

  وقالت (المجبرة: بل) لا يُعلمان إلَّا (سمعاً فقط) ولا حكم للعقل في ذلك، كما تقدم ذكره من أساس مذهبهم في أول الكتاب، وإلى مثل قولهم: إن العقل لا يُدرك استحقاق الثواب والعقاب - ذهب أبو القاسم المرتضى الموسوي من العدلية وابن الراوندي.

  (لنا: تصويب العقلاء من طلب المكافأة على الإحسان، و) تصويب (من عاقب المسيء على الإساءة)، فلولا أن العقل يحكم بهذا الاستحقاق لما صَوَّبُوه.

  ولعله # أراد الرَدَّ على من أنكر حكم العقل من المجبرة، لا أنه أراد الاحتجاج على وجوب الثواب والعقاب على الله سبحانه وتعالى؛ لأنه لا واجب على الله سبحانه وتعالى كما مَرَّ، ولأن الطاعات شكر لله تعالى في مقابلة النعمة، وحينئذٍ لا يحكم العقل باستحقاق طلب المكافأة من الله سبحانه بالثواب عليها.

  ولا يجوز أن يُقال: العقاب حقٌّ لله تعالى استوفاه؛ لأنه جل وعلا أغنى الأغنياء عن احتياجه إلى الحقوق وإنما هو حقٌ راجع إلى المكلفين؛ لأنه مصلحة لهم وزَجْرٌ عن ارتكاب القبيح وكفران المنعم ولو لم يكن العقاب مُسْتَحَقَّاً عقلاً لكان المكلف مُغْرَىً بالقبيح والإغراءُ بالقبيح قبيحٌ.

  لا يقال: إذا قلتم: إن العقاب ليس حقاً لله تعالى لكونه غنياً عن احتياجه إلى الحقوق لزم أن يكون الشكر له تعالى غير واجب على المكلف لأنه لا وجه لوجوبه إلَّا كونه حقاً للمالك المنعم والله سبحانه غنيٌ عن الحقوق - لأنا نقول: لا سوى فإن شكر المنعم حقٌ للمنعم لا يصح إسقاطه بفطرة العقل من غير نظر إلى انتفاع المنعم بالشكر أَوْ لا: ولو أسقط المالك المنعم وجوب شكره لم يسقط،