عدة الأكياس في شرح الأساس لعقائد الاكياس،

أحمد الشرفي القاسمي (المتوفى: 1055 هـ)

(فصل:) [والثواب والعقاب مستحقان عقلا وسمعا]

صفحة 370 - الجزء 2

  على ما فَرط منه (اتفاقاً) بين أهل العدل [وإن اختلفوا هل يجب قبول التوبة أو لا؟⁣(⁣١)] وليس ذلك من خلف الوعيد في شيءٍ؛ لأن التائب خارج عن الوعيد اتفاقاً، (و) أما العاصي الغير المرتدع فإنه (لا يحسن العفو عنه) عقلاً (إن علم عدم ارتداعه) عن العصيان (وفاقاً للبلخي) أي: أبي القاسم البلخي (وبشر بن المعتمر) وأصحابهما من البغداديين (وخلافاً للبصرية) من المعتزلة.

  اعلم أنه اتفق جمهور البصرية والبغدادية على أن العقاب يُستحق عقلاً، ثم اختلفوا هل يُعلم أنه يُفعل ويُقطع به عقلاً أوْ لا؟ فقالت البصرية: لا يُعلم ذلك إلَّا سمعاً فقط، لا عقلاً فإن العقل يُجَوِّزُ العفو عنه.

  وقالت البغدادية: يعلم من جهة العقل أنه يفعل لا محالة وأنه لا يجوز العفو أصلاً.

  قال الإمام المهدي #: وهو بناءٌ على أن العقاب لطفٌ للمكلفين فلا بُدَّ من وقوعه حينئذٍ.

  قلت: وهذا يؤيد ما تقدم من قولنا وما ذكره الإمام # بقوله: (قلنا: يصير العفو) مع عدم الارتداع (كالإغراء) للعاصي بفعل المعصية (وهو) أي: الإغراءُ بفعل المعصية (قبيح عقلاً) أي: يحكم العقل بقبحه.

  قال في الكشاف في سياق قوله تعالى: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}⁣[البقرة ٢٠٩]: ورُوي أنَّ قارئاً قرأ مكان «عزيز حكيم»: «غفور رحيم»، فسمعه أعرابيٌ فأنكره ولم يقرأ القرآن، وقال: إن كان هذا كلام الله فلا يقول كذا، الحكيم لا يذكر الغفران عند الزلل؛ لأنه إغراءٌ عليه. انتهى.

  احتج البصرية فقالوا: العقاب حق لله سبحانه وتعالى، ومن المعلوم أنَّ من له حق على غيره أن له إسقاطه حيث لا إضرار بالغير، ونحن نعلم أن إسقاط الله حقه من العقاب لا إضرار فيه على أحدٍ، بل فيه نفع لمن أسقط عنه كإسقاط الدَّيْنِ.


(١) ما بين المعقوفين مقدم في (أ) في الموضع الذي ذكرناه.