(فصل:) [والثواب والعقاب مستحقان عقلا وسمعا]
  (لنا) في الاحتجاج على مخالفينا حجة العقل والسمع، ولنذكر الكلام في ذلك في فصلين:
  الأول: في استحقاق الفاسق العقاب.
  الثاني: في أنه يستحقه دائماً على الحَدِّ الذي يستحقه المشرك.
  أما الأول فدلالة العقل فيه: أن الفاسق لو لم يستحق العقاب لكان خَلْقُ شهوته للقبيح إغراءً له به ويتنزل خلقها منزلة قول القائل: افعل ولا بأس عليك.
  وأما دلالة الشرع، فمنها: (قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا) وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (الآية [النساء ١٤]، ونحوها) من الآيات العامة للعصاة والخاصة لأهل الكبائر الغير المُخرجة من الملة، كقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}[النساء ٩٣] وقوله تعالى: {وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ}[الانفطار ١٦]، والضمير للفجار وهو يَعُمُّ كل عاصٍ، وقوله تعالى: {وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} إلى قوله: {كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}[البقرة ١٦٥ - ١٦٧] وقوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَعْدُودَةً} إلى قوله: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة ٨٠ - ٨١] (ولم يفصل) تعالى بين الفاسق والكافر.
  (وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ} إلى قوله تعالى: {وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ...} الآية [الأنفال ١٥ - ١٦] وقوله تعالى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلاَ أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ) وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا}[النساء ١٢٣].
  قال الإمام المهدي #: وسبب نزولها أن جماعة من المسلمين واليهود تذاكروا في أمر العقاب فادَّعى كل فريق منهم أن الله تعالى يَهَبُ مسيئهم لمحسنهم ويعفو عنه لسابقة إيمانه بالله والرسول المرسل إليهم ولفضل الصالحين