جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

المبحث الثاني في تقسيم القصر باعتبار الحقيقة والواقع إلى قسمين

صفحة 154 - الجزء 1

  هذه المنزلة: ومن الأخير قوله تعالى: {وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ٢٢ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ}⁣[فاطر: ٢٢ - ٢٣].

  الرابع: الأصل في إنما أن تجيء لأمر من شأنه ألا يجهله المخاطب، ولا ينكره، وإنما يراد تنبيهه فقط، أو لما هو منزل هذه المنزلة، فمن الأول قوله تعالى: {إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ}⁣[الانعام: ٣٦] وقوله تعالى: {فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ}⁣[الرعد: ٤٠] ومن الثاني قوله تعالى حكاية عن اليهود: {إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ}⁣[البقرة: ١١] فهم قد ادعوا أنّ إصلاحهم أمر جلي لا شك فيه، وقال الشاعر: [الطويل]

  أنا الذائد الحامي الذمار وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي

أسباب ونتائج

  الغاية من القصر تمكين الكلام وتقريره في الذهن، كقول الشاعر: [الطويل]

  وما المرء إلا كالهلال وضوئه ... يوافي تمام الشهر ثم يغيب

  وقد يراد بالقصر المبالغة في المعنى كقول الشاعر: [الطويل]

  وما المرء إلا الأصغران لسانه ... ومعقوله والجسم خلق مصور

  وكقوله: [مجزوء الكامل]

  لا سيف إلا ذو الفقار ... ولا فتى إلا على

  وذو الفقار، لقب سيف الإمام عليّ #.

  والقصر: قد ينحو فيه الأديب مناحي شتى، كأن يتجه إلى القصر الإضافي، رغبة في المبالغة، كقوله: [الوافر]

  وما الدنيا سوى حلم لذيذ ... تنبهه تباشير الصباح

  وقد يكون من مرامي القصر التعريض كقوله تعالى: {إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ}⁣[الرعد: ١٩] إذ ليس الغرض من الآية الكريمة أن يعلم السامعون ظاهر معناها، ولكنها تعريض بالمشركين الذين في حكم من لا عقل له.