المبحث الثاني في تقسيم القصر باعتبار الحقيقة والواقع إلى قسمين
  هذه المنزلة: ومن الأخير قوله تعالى: {وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ٢٢ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ}[فاطر: ٢٢ - ٢٣].
  الرابع: الأصل في إنما أن تجيء لأمر من شأنه ألا يجهله المخاطب، ولا ينكره، وإنما يراد تنبيهه فقط، أو لما هو منزل هذه المنزلة، فمن الأول قوله تعالى: {إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ}[الانعام: ٣٦] وقوله تعالى: {فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ}[الرعد: ٤٠] ومن الثاني قوله تعالى حكاية عن اليهود: {إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ}[البقرة: ١١] فهم قد ادعوا أنّ إصلاحهم أمر جلي لا شك فيه، وقال الشاعر: [الطويل]
  أنا الذائد الحامي الذمار وإنما ... يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي
أسباب ونتائج
  الغاية من القصر تمكين الكلام وتقريره في الذهن، كقول الشاعر: [الطويل]
  وما المرء إلا كالهلال وضوئه ... يوافي تمام الشهر ثم يغيب
  وقد يراد بالقصر المبالغة في المعنى كقول الشاعر: [الطويل]
  وما المرء إلا الأصغران لسانه ... ومعقوله والجسم خلق مصور
  وكقوله: [مجزوء الكامل]
  لا سيف إلا ذو الفقار ... ولا فتى إلا على
  وذو الفقار، لقب سيف الإمام عليّ #.
  والقصر: قد ينحو فيه الأديب مناحي شتى، كأن يتجه إلى القصر الإضافي، رغبة في المبالغة، كقوله: [الوافر]
  وما الدنيا سوى حلم لذيذ ... تنبهه تباشير الصباح
  وقد يكون من مرامي القصر التعريض كقوله تعالى: {إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ}[الرعد: ١٩] إذ ليس الغرض من الآية الكريمة أن يعلم السامعون ظاهر معناها، ولكنها تعريض بالمشركين الذين في حكم من لا عقل له.