جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

المبحث الثاني في مواضع الفصل

صفحة 169 - الجزء 1

  الموضع الخامس: التوسط بين الكمالين مع قيام المانع وهو كون الجملتين متناسبتين:

  وبينهما رابطة قوية لكن يمنع من العطف مانع، وهو عدم التشريك في الحكم، كقوله تعالى:

  {وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}⁣[البقرة: ١٤ - ١٥].

  فجملة {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} لا يصح عطفها على جملة «إنا معكم» لاقتضائه أنه من مقول المنافقين: والحال أنه من مقولة تعالى دعاء عليهم، ولا على جملة «قالوا» لئلا يتوهم مشاركته له في التقييد بالظرف وأنّ استهزاء اللّه بهم مقيد بحال خلوهم إلى شياطينهم، والواقع أن استهزاء اللّه بالمنافقين غير مقيد بحال من الأحوال ولهذا وجب أيضا الفصل.

تنبيهان

  الأول: لما كانت الحال تجيء جملة، وقد تقترن بالواو، وقد لا تقترن فأشبهت الوصل والفصل، ولهذا يجب وصل الجملة الحالية بما قبلها بالواو إذا خلت من ضمير صاحبها، نحو جاء فؤاد والشمس طالعة (١).


(١). بيان ذلك أن الحال:

إما مؤكدة، فلا واو: للاتحاد بين الجملتين لأنها مقررة لمضمونها نحو سعد أبوك كريم.

وإما منتقلة، لحصول معنى حال النسبة (أي نسبة العامل إلى صاحب الحال) يلزم فيها أمران. الحصول والمقارنة: فالحال المفردة صفة في المعنى، فلا تحتاج لواو للاتحاد. وأما الحال الجملة، فالمضارع المثبت لا يؤتى له بواو للارتباط معنى لوجود الحصول والمقارنة ما، فلا حاجة للربط بها، نحو وجاؤوا أباهم عشاء يبكون، ونحو قدم قدم الأمير تتسابق الفرسان أمامه، ولا يجوز وجاؤوا أباهم عشاء ويبكون، ولا قدم الأمير وتتسابق.

وهذه إحدى المسائل السبع المذكورة في النحو الّتي تمتنع فيها الواو.

الثانية: الحال الواقعة بعد عاطف نحو {فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ}

الثالثة: المؤكدة لمضمون الجملة نحو (هو الحق لا شك فيه. {ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ}).

الرابعة: الماضي التالي، ما تكلم زيد إلا قال خيرا. وقيل يجوز اقترانه بالواو، كما ورد في قوله: [البسيط]

نعم امرؤ هرم لم تعر نائبة ... إلا وكان لمرتاع بها وزرا =