جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

المبحث الثالث في تعريف المجاز العقلي وعلاقاته

صفحة 241 - الجزء 1

بلاغة المجاز المرسل والمجاز العقلي

  إذا تأملت أنواع المجاز المرسل⁣(⁣١) والعقلي رأيت أنها في الغالب تؤدي المعنى المقصود بإيجاز، فإذا قلت: هزم القائد الجيش أو قرر المجلس كذا كان ذلك أوجز من أن تقول: هزم جنود القائد الجيش أو قرر أهل المجلس كذا ولا شك أن الإيجاز ضرب من ضروب البلاغة.

  وهناك مظهر آخر للبلاغة في هذين المجازين. هو المهارة في تخيّر العلاقة بين المعنى الأصلي والمعنى المجازي، بحيث يكون المجاز مصوّرا للمعنى المقصود خير تصوير كما في إطلاق العين على الجاسوس، والأذن على سريع التأثر بالوشاية، والخفّ والحافر على الجمال والخيل، في المجاز المرسل وكما في إسناد الشيء: إلى سببه، أو مكانه، أو زمانه، في المجاز العقلي. فإن البلاغة توجب أن يختار السبب القويّ، والمكان والزمان المختصان.

  وإذا دققت النظر رأيت أن أغلب ضروب المجاز المرسل والمجاز العقلي لا تخلوا من مبالغة بديعة، ذات أثر في جعل المجاز رائعا خلابا، فإن إطلاق الكل على الجزء مبالغة، ومثله إطلاق الجزء وإرادة الكل كما إذا قلت «فلان فم» تريد أنه شره، يلتقم كل شيء.

  ونحوه: «فلان أنف» عندما تريد أن تصفه بعظم الأنف؛ فتبالغ فتجعله كله أنفا؟ ومما يؤثر عن بعض الأدباء في وصف رجل أنافي⁣(⁣٢) قوله: «لست أدري: أهو في أنفه، أم أنفه فيه»؟


(١). المجاز المرسل: يوسع اللغة، ويعين على الافتنان في التعبير، ويساعد الكاتب والخطيب على إيراد المعنى الواحد بصور مختلفة، وقد تدعوا إليه: كما في «الطراز» حلية لفظية، من تقفية. أو ضرورة شعرية. أو مشاكلة:

أو اختصار أو خفة في لفظة. وكثيرا ما يكون الداعي إليه راجعا إلى المعنى.

(٢). الأنافي: عظيم الأنف.