جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

بلاغة المتكلم

صفحة 34 - الجزء 1

بلاغة المتكلم

  بلاغة المتكلم: هي ملكة في النفس⁣(⁣١) يقتدر بها صاحبها على تأليف كلام بليغ مطابق لمقتضى الحال. مع فصاحته في أي معنى قصده.

  وتلك غاية لن يصل إليها إلا من أحاط بأساليب العرب خبرا، وعرف سنن تخاطبهم في منافراتهم، ومفاخراتهم، ومديحهم، وهجائهم، وشكرهم، واعتذارهم؛ ليلبس لكل حالة لبوسها، ولكل مقام مقال.


(١). أي أن الهيئة والصفة الراسخة الثابتة في نفس المتكلم يمكنه بواسطتها أن يعبر عن المعاني التي يريد إفادتها لغيره بعبارات بليغة، أي مطابقة لحال الخطاب. فلو لم يكن ذا ملكة يقتدر بها على التصرف في أغراض الكلام وفنونه بقول رائع، وبيان بديع بالغا من مخاطبه كل ما يريد، لم يكن بليغا، وإذا لا بد للبليغ: أولا من التفكير في المعاني التي تجيش في نفسه، وهذه يجب أن تكون صادقة ذات قيمة، وقوة يظهر فيها أثر الابتكار وسلامة النظر وذوق تنسيق المعاني وحسن ترتيبها، فإذا تم له ذلك عمد إلى الألفاظ الواضحة المؤثرة الملائمة، فألف بينها تأليفا يكسبها جمالا وقوة.

فالبلاغة ليست في اللفظ وحده، وليست في المعنى وحده، ولكنها أثر لازم لسلامة تآلف هذين وحسن انسجامهما. وقد علم أن البلاغة أخص والفصاحة أعم لأنها مأخوذة في تعريف البلاغة، وأن البلاغة يتوقف حصولها على أمرين، الأول: الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المقصود، والثاني: تمييز الكلام الفصيح من غيره، لهذا كان للبلاغة درجات متفاوتة تعلو وتسفل في الكلام بنسبة ما تراعى فيه مقتضيات الحال، وعلى مقدار جودة ما يستعمل فيه من الأساليب في التعبير والصور البيانية والمحسنات البديعية وأعلى تلك الدرجات ما يقرب من حد الاعجاز، وأسفلها ما إذا غير الكلام عنه إلى ما هو دونه التحق عند البلغاء بأصوات الحيوانات العجم، وإن كان صحيح الإعراب: وبين هذين الطرفين مراتب عديدة.