جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

المبحث التاسع في تقسيم الاستعارة باعتبار الجامع

صفحة 263 - الجزء 1

المبحث التاسع في تقسيم الاستعارة باعتبار الجامع

  الاستعارة المصرحة باعتبار الجامع نوعان⁣(⁣١):


(١). الجامع في الاستعارة: بمثابة «وجه الشبه» في التشبيه، وهو ما قصد اشتراك الطرفين فيه، وسمي جامعا لأنه جمع المشبه في أفراد المشبه به تحت مفهومه وأدخله في جنسه ادعاء، ولا بد أن يكون في المستعار منه أقوى، لأن الاستعارة مبنية على المبالغة في التشبيه، والمبالغة فيه توجب ابلاغ المشبه لما هو أكمل.

وينقسم الجامع، إلي داخل وخارج، فالأول: ما كان داخلا في مفهوم الطرفين نحو قوله تعالى: {وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً} فاستعير التقطيع الموضوع لإزالة الاتصال بين الأجسام الملتصق بعضها ببعض، لتفريق الجماعة وإبعاد بعضها عن بعض. والجامع إزالة الاجتماع، وهي داخلة في مفهومها وهي في القطع أشد.

والثاني: وهو ما كان خارجا عن مفهوم الطرفين، نحو: رأيت أسدا، أي: رجلا شجاعا، فالجامع وهي الشجاعة أمر عارض للأسد، لا داخل في مفهومه.

وينقسم الجامع أيضا باعتباره، وباعتبار الطرفين، إلي ستة أقسام، لأن الطرفين إما حسيان وإما عقليان «أو المستعار منه حسي والمستعار له عقلي أو بالعكس» والجامع في الأول من الصور الأربع تارة يكون حسيا وتارة يكون عقليا وأخرى مختلفا، وفي الثلاث الأخيرة لا يكون إلا عقليا.

مثال ما إذا كان الطرفان حسيين والجامع كذلك قوله تعالى: {فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَداً لَهُ خُوارٌ} فإن المستعار منه ولد البقر، والمستعار له الحيوان المصوغ من «حلي القبط» بعد سبكها بنار السامري، وإلقاء التراب المأخوذ من أثر فرس جبريل #، والجامع لهما الشكل والخوار، فإنه كان على شكل ولد البقر، مما يدرك بحاسة البصر «وبحث بعضهم بأن إبدال جسدا من عجلا يمنع الاستعارة». ومثال ما إذا كان الطرفان حسيين، والجامع عقلي، قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ} أي نكشف ونزيل الضوء من مكان اليل، وموضوع ظلمته، فإن المستعار منه أعني السلخ وهو كشط الجلد وإزالته عن الشاة ونحوها والمستعار إزالة الضوء عن مكان الليل وموضع ظلمته: وهما حسيان.

والجامع لهما ما يعقل من ترتب أمر على آخر بحصوله عقبه، كترتب ظهور اللحم على السلخ والكشط. وترتب حصول الظلمة على إزالة ضوء النهار عن مكان ظلمة اليل والترتب عقلي، وإجراء الاستعارة، شبه كشف =