خاتمة
خاتمة
  علمت أن البلاغة متوقفة على مطابقة الكلام لمقتضى الحال. ورأيت في ما تقدم من الأحكام، أن مقتضى الحال يجري على مقتضى الظاهر.
  وهذا بالطبع هو الأصل، ولكن قد يعدل عما يقتضيه الظاهر إلى خلافه مما تقتضيه الحال في بعض مقامات الكلام، لاعتبارات يراها المتكلم. وقد تقدم كثير من ذلك العدول المسمى باخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر في الأبواب السابقة.
  وبقي من هذا القبيل أنواع أخرى كثيرة.
  الأول: الالتفات: وهو الانتقال من كل تكلم أو الخطاب، أو الغيبة إلى صاحبه، لمقتضيات ومناسبات تظهر بالتأمل في مواقع الالتفات؛ تفننا في الحديث، وتلوينا للخطاب، حتى لا يمل السامع من التزام حالة واحدة، وتنشيطا وحملا على زيادة الإصغاء، فإن لكل جديد لذة ولبعض مواقعه لطائف، ملاك إدراكها الذوق السليم.
  واعلم أن صور العدول إلى الالتفات ستة.
  ١ - عدول من التكلم إلى الخطاب: كقوله تعالى: {وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}[يس: ٢٢] والقياس: وإليه أرجع.
  ٢ - عدول من التكلّم إلى الغيبة: كقوله تعالى: {يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}[الزمر: ٥٣].
  ٣ - عدول من الخطاب إلى التكلّم: كقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ}.
  ٤ - عدول من الخطاب إلى الغيبة: كقوله تعالى: {رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ}[آل عمران: ٩].
  ٥ - عدول من الغيبة إلى التكلم: كقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً}[الفرقان: ٤٨] والقياس: وأنزل.