جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

المبحث الثاني في مواضع الفصل

صفحة 166 - الجزء 1

  ج - أو بأن تكون الجملة الثانية مؤكدة للجملة الأولى، بما يشبه أن يكون توكيدا لفظيا أو معنويا، كقوله ø: {فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً}⁣[الطارق: ١٧]. وكقوله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا}⁣[البقرة: ٧ - ٨] فالمانع من العطف في هذا الموضع اتحاد الجملتين اتحادا تاما يمنع عطف الشيء على نفسه ويوجب الفصل.

  الموضع الثاني: كمال الانقطاع وهو اختلاف الجملتين اختلافا تاما:

  أ - بأن يختلفا خبرا وإنشاء: لفظا ومعنى، أو معنى فقط، نحو: حضر الأمير حفظه اللّه، ونحو تكلم إني مصغ إليك وكقول الشاعر: [البسيط]

  وقال رائدهم أرسوا نزاولها ... فحتف كلّ امرئ يجري بمقدار⁣(⁣١)

  ب - أو: بألّا تكون بين الجملتين مناسبة في المعني ولا ارتباط، بل كلّ منهما مستقلّ بنفسه كقولك: عليّ كاتب، الحمام طائر، فإنه لا مناسبة بين كتابة عليّ.

  وطيران الحمام. وكقوله: [الرجز]

  وإنما المرء بأصغريه ... كلّ امرئ رهن بما لديه

  فالمانع من العطف في هذا الموضع أمر ذاتي لا يمكن دفعه أصلا وهو التّباين بين الجملتين، ولهذا: وجب الفصل، وترك العطف. لأن العطف يكون للرّبط، ولا ربط بين جملتين في شدّة التباعد وكمال الانقطاع.

  الموضع الثالث: شبه كمال الاتصال: وهو كون الجملة الثانية قوية الارتباط بالأولى، لوقوعها جوابا عن سؤال يفهم من الجملة الأولى فتفصل عنها كما يفصل الجواب عن السؤال كقوله سبحانه: {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}⁣[يوسف: ٥٣](⁣٢).


(١). أي أوقفوا السفينة كي نباشر الحرب، ولا تخافوا من الموت، فإن لكل أجل كتابا، أي فالمانع من العطف في هذا الموضع أمر ذاتي لا يمكن دفعه أصلا، وهو كون إحداهما جملة خبرية، والأخرى إنشائية، ولا جامع بينهما.

(٢). الجملة الثانية شديدة الارتباط بالجملة الأولى لأنها جواب عن سؤال نشأ من الأولى «لم لا تبرئ نفسك؟» فقال: {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ} فهذه الرابطة القوية بين الجملتين مانعة من العطف. فأشبهت حالة اتحاد الجملتين، وبذلك ظهر الفرق بين كمال الاتصال وشبه كمال الاتصال.