المبحث الأول في الإيجاز وأقسامه
  الصور بليغا. إلا إذا كان مطابقا لمقتضى حال المخاطب، ويدعو إليه مواطن الخطاب.
  فإذا كان المقام للإطناب مثلا، وعدلت عنه إلى الإيجاز، أو المساواة لم يكن كلامك بليغا وفي هذا الباب ثلاثة مباحث.
المبحث الأول في الإيجاز وأقسامه
  الإيجاز: هو وضع المعاني الكثيرة في ألفاظ أقل(١) منها، وافية بالغرض المقصود، مع الإبانة والإفصاح، كقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ}[الأعراف: ١٩٩]. فهذه الآية القصيرة جمعت مكارم الأخلاق بأسرها، وكقوله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ}[الأعراف: ٥٤] وكقوله ÷: «إنما الأعمال بالنيات» فإذا لم تف العبارة بالغرض سمي إخلالا وحذفا رديئا كقول اليشكري:
  والعيش خير في ظلا ... ل النوك ممن عاش كدا
  [مجزوء الكامل]
  مراده: أن العيش الناعم الرّغد في حال الحمق والجهل، خير من العيش الشاق في حال العقل، لكن كلامه لا يعد صحيحا مقبولا.
(١). بأن يكون اللفظ أقل من المعهود عادة مع وفائه بالمراد. فإن لم يف كان الإيجاز إخلالا وحذفا رديئا فلا يعد الكلام صحيحا مقبولا، كقول عروة بن الورد: [الطويل].
عجبت لهم إذ يقتلون نفوسهم ... ومقتلهم عند الوغى كان اعذارا
يريد: إذ يقتلون نفوسهم في السلم، لكن صوغ كلامه لا يدل عليه. ومثل قول بعضهم نثرا «فإن المعروف إذا زجا كان أفضل منه إذا وفر وأبطأ» ولأجل تمام ما يريد: كان عليه أن يقول، إذا قل وزجا. ولا يعد مثل هذا الكلام صحيحا مقبولا.
واعلم أن متعارف أوساط البلغاء هم الذين لم يرتقوا إلى درجة البلغاء، ولم ينحطوا إلى درجة البسطاء، فالمساواة: هي الدستور الذي يقاس عليه كل من الإيجاز والإطناب.