جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

الباب التاسع في الإيجاز، والإطناب، والمساواة

صفحة 198 - الجزء 1

  فالمعنى الواحد: يستطاع أداؤه بأساليب مختلفة، في وضوح الدلالة عليه. فإنك: تقرأ في بيان فضل العلم مثلا قول الشاعر: [الكامل]

  ١ - العلم ينهض بالخسيس إلى العلى ... والجهل يقعد بالفتى المنسوب

  ثم تقرأ في المعنى نفسه، كلام الإمام علي #.

  ٢ - العلم نهر والحكمة بحر. والعلماء حول النّهر يطوفون. والحكماء وسط البحر يغوصون.

  والعارفون في سفن النّجاة يسيرون.

  فتجد: أن بعض هذه التراكيب أوضح من بعض، كما تراه يضع أمام عينيك مشهدا حسيا، يقرّب إلى فهمك ما يريد الكلام عنه من فضل العلم.

  فهو: يشبّهه بنهر، ويشبّه الحكمة ببحر.

  ويصور لك أشخاصا طائفين حول ذلك النهر هم العلماء.

  ويصور لك أشخاصا غائصين وسط ذلك البحر هم الحكماء.

  ويصور لك أشخاصا راكبين سفنا ماخرة في ذلك البحر للنجاة من مخاطر هذا العالم هم أرباب المعرفة.

  ولا شك: أن هذا المشهد البديع: يستوقف نظرك، ويستثير إعجابك من شدّة الرّوعة والجمال المستمدّة من التشبيه، بفضل البيان الذي هو سر البلاغة.

  ب - وموضوع هذا العلم: الالفاظ العربية، من حيث: التشبيه، والمجاز، والكناية.

  ج - وواضعه: أبو عبيدة الذي دوّن مسائل هذا العلم في كتابه المسمّى مجاز القرآن وما زال ينمو شيئا فشيئا، حتى وصل إلى عبد القاهر فأحكم أساسه، وشيد بناءه، ورتب قواعده، وتبعه الجاحظ، وابن المعتزّ وقدامة وأبو هلال العسكري.

  د - وثمرته: الوقوف على أسرار كلام العرب منثوره ومنظومه ومعرفة ما فيه من تفاوت في فنون الفصاحة، وتباين في درجات البلاغة التي يصل بها إلى مرتبة إعجاز القرآن الكريم الذي حار الجنّ والإنس في محاكاته وعجزوا عن الإتيان بمثله.

  وفي هذا الفن أبواب ومباحث.