جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

المبحث الثامن في تقسيم الاستعارة المصرحة باعتبار الطرفين إلى عنادية ووفاقية

صفحة 262 - الجزء 1

  واختار السكاكي تقليلا لأقسام الاستعارة: أن يستغني عن التبعية في الفعل، والمشتق، والحرف، بأن يجعل قرينة التبعية استعارة مكنية، وأن يجعل التبعية قرينة للمكنية؛ ففي قوله تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ}⁣[الحاقة: ١١] يجعل القوم الطغيان مستعارا للكثرة المفسدة. ويقول «السكاكي» في لفظ الماء استعارة مكنية، ونسبة الطغيان إليه قرينة.

المبحث الثامن في تقسيم الاستعارة المصرحة باعتبار الطرفين إلى عنادية ووفاقية

  فالعنادية: هي التي لا يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد لتنافيهما كاجتماع النور والظلام.

  والوفاقية: هي التي يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد لعدم التنافي كاجتماع النور والهدى.

  ومثالهم قوله تعالى: {أَ وَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ}⁣[الأنعام: ١٢٢] أي ضالا فهديناه.

  فقي هذه الآية استعارتان.

  الأولي: في قوله ميتا شبه الضلال: بالموت، بجامع ترتب نفي الانتفاع في كل. واستعير الموت للضلال، واشتق من الموت بمعني الضلال، ميتا بمعني ضالا، وهي عنادية، لأنه لا يمكن اجتماع الموت والضلال في شيء واحد.

  والثانية: استعارة الإحياء للهداية، وهي وفاقية لإمكان اجتماع الإحياء والهداية في اللّه تعالى: فهو محيي وهاد.

  ثم العنادية: قد تكون تمليحية، أي المقصود منها التمليح والظرافة. وقد تكون تهكمية أي المقصود منها التهكم والاستهزاء، بأن يستعمل اللفظ الموضوع لمعني شريف، على ضدّه أو نقيضه، نحو رأيت أسدا تريد جبانا، قاصدا التمليح والظرافة، أو التهكم والسخرية: وهما اللتان نزّل فيهما التضاد، منزلة التناسب - نحو: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ}⁣[آل عمران: ٢١، التوبة: ٣٤] أي أنذرهم فاستعيرت البشارة التي هي الخبر السار، للإنذار الذي هو ضده بإدخال الإنذار في جنس البشارة، على سبيل التهكم والاستهزاء. وكقوله تعالى: {فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ}⁣[الصافات: ٢٣].