جواهر البلاغة في المعاني والبيان والبديع،

أحمد الهاشمي (المتوفى: 1362 هـ)

بلاغة الكلام

صفحة 33 - الجزء 1

  وإيراد الكلام على صورة الإطناب⁣(⁣١) أو الإيجاز مطابقة للمقتضى وليست البلاغة⁣(⁣٢) إذا منحصرة في إيجاد معان جليلة، ولا في اختيار ألفاظ واضحة جزيلة. بل هي تتناول مع هذين الأمرين أمرا ثالثا: هو إيجاد أساليب مناسبة للتأليف بين تلك المعاني والألفاظ مما يكسبها قوة وجمالا.

  وملخص القول: أن الأمر الذي يحمل المتكلم على إيراد كلامه في صورة دون أخرى:

  يسمى «حالا» وإلقاء الكلام على هذه الصورة التي اقتضاها الحال يسمى «مقتضى والبلاغة هي مطابقة الكلام الفصيح لما يقتضيه الحال.


(١). فإن اختلاف هذه الظروف يقتضي هيئة خصوصية من التعبير، ولكل مقام مقال، فعلى المتكلم ملاحظة المقام أو الحال: وهو الأمر الذي يدعوه إلى أن يورد كلامه على صورة خاصة تشاكل غرضه، وتلك الصورة الخاصة التي يورد عليها تسمى المقتضى، أو الاعتبار المناسب، فمثلا الوعيد والزجر والتهديد مقام يقتضي كون الكلام المورد فيه فخما جزلا، والبشارة بالوعد، واستجلاب المودة، مقام يتطلب رقيق الكلام ولطيفه:

والوعظ مقام يوجب البسط والاطناب، وكون المخاطب عاميا سوقيا، أو أميرا شريفا، يوجب الاتيان بما يناسب بيانه عقله.

(٢). لأن البلاغة كل ما تبلغ به المعنى قلب السامع، فتمكنه في نفسه كتمكنه في نفسك مع صورة مقبولة، ومعرض حسن، وإنما جعلنا حسن المعرض وقبول الصورة شرطا في البلاغة، لأن الكلام إذا كانت عبارته رثة، ومعرضه خلقا، لم يسم بليغا وإن كان مفهوم المعنى؛ مكشوف المغزى.

فعناصر البلاغة إذا (لفظ ومعنى، وتأليف للألفاظ)؛ يمنحها قوة وتأثيرا وحسنا. ثم دقة في اختيار الكلمات والأساليب، على حسب مواطن الكلام ومواقعه، وموضوعاته وحال السامعين والنزعة النفسية التي تتملكهم وتسيطر على نفوسهم، فرب كلمة حسنت في موطن، ثم كانت مستكرهة في غيره، ورب كلام كان في نفسه حسنا خلابا، حتى إذا جاء في غير مكانه، وسقط في غير مسقطه، خرج عن حد البلاغة، وكان غرضا لسهام الناقدين.