المبحث الثاني في كيفية إلقاء المتكلم الخبر للمخاطب
  الصلاة، وهو لا يصلي: الصلاة واجبة توبيخا على عدم عمله بمقتضى علمه، وكقولك، لمن يؤذي أباه: هذا أبوك.
  ٢ - ومنها تنزيل خالي الذّهن منزلة السائل المتردّد، إذا تقدّم في الكلام ما يشير إلى حكم الخبر كقوله سبحانه وتعالى: {وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ}[يوسف: ٥٣] فمدخول إنّ مؤكد لمضمون ما تقدمه، لإشعاره بالتردّد فيما تضمنه مدخولها، وكقوله سبحانه وتعالى: {وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}[الدخان: ٢٤]. لما أمر المولى نوحا أوّلا بصنع الفلك، ونهاه ثانيا عن مخاطبته بالشفاعة فيهم، صار مع كونه غير سائل في مقام السائل المتردد(١). هل حكم اللّه عليهم بالإغراق؟ فأجيب بقوله: {إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}
  ٣ - ومنها: تنزيل غير المنكر منزلة المنكر: إذا ظهر عليه شيء من أمارات الإنكار؛ كقول حجل بن نضلة القيسي «من أولاد عمّ شقيق». [السريع].
  جاء شقيق عارضا رمحه ... إنّ بني عمّك فيهم رماح
  فشقيق رجل لا ينكر رماح بني عمه. ولكن مجيئه على صورة المعجب بشجاعته، واضعا رمحه على فخذيه بالعرض وهو راكب أو حاملا له عرضا على كتفه في جهة العدوّ بدون اكتراثه به، بمنزلة إنكاره أن لبني عمه رماحا، ولن يجد منهم مقاوما له كأنهم كلّهم في نظره
(١). أي فصار الكلام مظنة للتردد والطلب وإن لم يتردد المخاطب، ولم يطلب بالفعل، وذلك لأنه تكاد نفس الذكي إذا قدم لها ما يشير إلى جنس الخبر أن تتردد في شخص الخبر، وتطلبه من حيث إنها تعلم أن الجنس لا يوجد إلا في فرد من أفراده فيكون ناظر إليه بخصوصه كأنه متردد فيه كنظر السائل، فقوله: ولا تخاطبني، يشير إلى جنس الخبر وأنه عذاب، وقوله إنهم مغرقون، يشير إلى خصوص الخبر الذي أشير إليه ضمنا في قوله ولا تخاطبني، وكقول الشاعر: [الوافر]
ترفق أيها المولى عليهم ... فإن الرفق بالجاني عتاب
فالأصل: أن يورد الخبر هنا خاليا من التوكيد، لأن المخاطب خالي الذهن من الحكم، ولكن لما تقدم في الكلام ما يشعر بنوع الحكم أصبح المخاطب متشوقا لمعرفته فنزل منزلة السائل المتردد الطالب، واستحسن إلقاء الكلام إليه مؤكدا جريا على خلاف مقتضى الظاهر.