فصل 3
  "وأما نحو: "تَأْمُرُوني" [الزمر: ٦٤]، و: "أَتُحَاجُّوني" [الأنعام: ٨٠] بتخفيف النون في قراءة نافع(١)، "فالصحيح" عند سيبويه "أن المحذوف نون الرفع"، والمذكور نون الوقاية(٢)، واختاره ابن مالك(٣)؛، لأن نون الرفع عهد حذفها للجازم والناصب ولتوالي الأمثال في نحو: {لَتُبْلَوُنَّ}[آل عمران: ١٨٦]، ولغير ذلك نحو قوله: [من الرجز]
  ٦٩ - أبيت أسري وتبيتي تدلكي
  ولا نون الرفع نائبة عن الضمة، والضمة تحذف تخفيفًا في قراءة أبي عمرو(٤) نحو: "يَأْمُرْكُمْ" [البقرة: ٦٧]، فحذف النون ليس من تفضيل الفرع على الأصل، وقيل: المحذوف نون الوقاية، وجزم به الموضح في شذوره، وأسقطه من شرحه، وهو مذهب الأخفش والمبرد وأبي علي وابن جني وأكثر المتأخرين(٥)، واستدلوا له بأوجه:
  أحدها: أن نون الوقاية حصل بها التكرار والاستثقال، فكانت أولى بالحذف.
  وثانيها: أن نون الرفع علامة الإعراب، فالمحافظة عليها أولى.
  وثالثها: أن نون الرفع لعامل، فلو حذفت لزم وجود مؤثر بلا أثر مع إمكانه.
  "وأما اسم الفعل" المزيد على النظم "فنحو دراكني وتراكني" بكسر الكاف فيهما، "وعليكني" بفتحها، الأول "بمعنى: أدْرِكْني" بقطع الهمزة، "و" الثاني "بمعنى: اتركني، و" الثالث بمعنى: "الزمني" بوصل الهمزة فيهما، "وأما: ليت" المشار إليه بقول الناظم:
(١) انظر قراءة ابن نافع في الإتحاف ص ٢١٢، ٣٧٦، والنشر ٢/ ٢٥٩، ٣٦٣.
(٢) في الكتاب ٣/ ٥١٩: "بلغنا أن بعض القراء قرأ: "أتحاجّوِني"".
(٣) شرح التسهيل ١/ ١٣٧.
٦٩ - الرجز بلا نسبة في الارتشاف ١/ ٤٢٠، والأشباه والنظائر ١/ ٨٢، ٣/ ٩٥، وخزانة الأدب ٨/ ٣٣٩، ٣٤٠، ٤٢٥، والخصائص ١/ ٣٨٨، والدرر ١/ ٧٠، ورصف المباني ص ٣٦١، وشرح التسهيل ١/ ٥٢, ٥٣، ولسان العرب ١٠/ ٤٢٦ "دلك"، ١٢/ ٢٣٧ "ردم"، والمحتسب ٢/ ٢٢، وهمع الهوامع ١/ ٥١.
(٤) الرسم المصحفي: {يَأْمُرُكُمْ}، وقرأها أبو عمرو بتسكين الراء. انظر الإتحاف ص ١٣٦.
(٥) قال أبو حيان في الارتشاف ١/ ٤٢٠: "إذا اجتمعت "نون الرفع" مع نون الوقاية، نحو: هل تضربانني، وهل تضربونني، وهل تضربينني؛ فيجوز إثباتها، وإدغام نون الرفع في نون الوقاية وحذف إحداهما، فمذهب سيبويه أن المحذوفة نون الرفع؛ وإليه ذهب أكثر المتأخرين، وذهب الأخفش والمبرد وعلي بن سليمان وأبو علي وابن جني إلى أن المحذوفة نون الوقاية". وانظر الكتاب ٣/ ٥١٩.