لمحات من السيرة النبوية الشريفة،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[بعض العبر من حادثة بني النضير]

صفحة 91 - الجزء 1

  يقدرون على الوصول إليهم لا بالقتل ولا بالطرد ولا بالجلاء، فأمر الله تعالى أولي الأبصار أن يعتبروا بذلك، أي: لا تصنعوا يا أهل البصائر مثل ما صنعَ اليهود، فيلحقكم مثل ما لحقهم من بَأْسِ الله ونقمته، وذلك أنَّ اليهود اعتمدوا على قوّتهم ومَنَعَتِهم وعلى ما هم فيه من وَفارةِ أسبابِ النصر والسلامة، فلم ينفعهم ذلك حين خالفوا الله ورسوله ÷ وشاقوا الله ورسوله ÷؛ لذلك فلا ينبغي لأحدٍ أن يعتمد إلَّا على ربه، ولا يتوكل إلَّا عليه، ولا يثق إلَّا به، أمَّا الاعتماد على ما سوى الله تعالى من قوةٍ ماديةٍ أو معنويةٍ فما هو إلا جهل وغرور.

  قوله تعالى: {وَلَوۡلَآ أَن كَتَبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمُ ٱلۡجَلَآءَ لَعَذَّبَهُمۡ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابُ ٱلنَّارِ ٣ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥۖ وَمَن يُشَآقِّ ٱللَّهَ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ ٤ مَا قَطَعۡتُم مِّن لِّينَةٍ أَوۡ تَرَكۡتُمُوهَا قَآئِمَةً عَلَىٰٓ أُصُولِهَا فَبِإِذۡنِ ٱللَّهِ وَلِيُخۡزِيَ ٱلۡفَٰسِقِينَ ٥}⁣[الحشر] المعنى: أن الله تعالى قد جَعَلَ جلاء يهود بني النضير عن ديارهم وأموالهم صاغرين ذليلين، وجعل ذلك جزاءهم في الدنيا على تكذيب النبي ÷ ونقض العهد معه ومشاققته ومعاداته، وحكم بذلك عليهم، ولولا ذلك الحكم لحكم عليهم بعذابٍ آخر في الدنيا كالقتل والسَّبي وتغنّم الأموال، وذلك كما فُعِلَ ببني قريظة، وسبب استحقاقهم لذلك العذاب هو مشاققتهم ومعاداتهم لله تعالى ولرسوله ÷.

  هذا، وقد كان المسلمون في وقت حصار اليهود فريقين، فريق يقطع نخيل اليهود ويحرقها، وفريق آخر يَسْتَبْقُونها، فصَوَّب الله تعالى الفريقين؛ لأن القاطع والمُحرِّق يفعل ذلك ليغيض اليهود، والتارك لذلك يتركها لينتفع بها المسلمون.