لمحات من السيرة النبوية الشريفة،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

حديث الإفك

صفحة 93 - الجزء 1

  هي جالسة إذ مرَّ بها صفوان بن المعطل وكان قد تخلَّف عن الناس لبعض حاجته، فتعرّف على عائشة فعرفها فأناخ لها بعيره فركبت، فانطلق يسرع بها ليلحق الجيش، فلم يلحقهم إلَّا حيث نزلوا، فرأى الناس صفوان يقود الجمل بعائشة، فوجد المنافقون بسبب هذه الحادثة مدخلاً لإلحاق العار بالنبي ÷ وتشويه سُمعته وتلطيخ عرضه بعار النساء، فرموا عائشة زوجة النبي ÷ بالزنا، وأن صفوان بن المعطل زنا بها، فانتشر هذا الخبر في الجيش وخاض الناس فيه، واستاء النبي ÷ لهذا الخبر الفاحش العظيم وداخله من سوئه ما لا يحيط به الوصف.

  وكان الذين ظهر منهم نشر الخبر عبدالله بن أبي المنافق، وقد كان أعظم الخبر من جهته، وحسان بن ثابت الشاعر، ومسطحاً مولى أبي بكر، وحمنة بنت جحش زوجة طلحة، فهؤلاء هم الذين عرفوا برمي عائشة بالزنا.

  ثم بعد بلاء وتمحيص نزلت سورة النور فبرَّأت عائشة وصفوان بن المعطل، وطهَّرت عرض النبي ÷، ونزل فيها حدّ القذف: {وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ ٱلۡمُحۡصَنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَأۡتُواْ بِأَرۡبَعَةِ شُهَدَآءَ فَٱجۡلِدُوهُمۡ ثَمَٰنِينَ جَلۡدَةٗ وَلَا تَقۡبَلُواْ لَهُمۡ شَهَٰدَةً أَبَدٗاۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡفَٰسِقُونَ ٤}⁣[النور: ٤]، فجلد رسول الله ÷ حسان بن ثابت ومسطحاً وحمنة بنت جحش حدَّ القذف، وترك ÷ عبدالله بن أُبيّ بن سلول فلم يجلده إيثاراً منه ÷ للمصلحة العامة؛ لأن عبدالله بن أُبَيّ كان شريفاً في قومه - الخزرج - وكبيراً وسيداً فلو أنَّ النبي ÷ جلدهُ لربما أدَّى إلى أن تتغير قلوب الكثير من قومه - الخزرج - وقد كان ابنه من المخلصين مع النبي ÷ فكره النبي ÷ أن يتغيَّر قلب ابنه، وكلُّ ذلك من أجل المصلحة العامة للإسلام والمسلمين.