لمحات من السيرة النبوية الشريفة،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

حال المؤمنين الصادقين في غزوة الأحزاب

صفحة 102 - الجزء 1

  ثم أخبرنا الله تعالى عن وعده بِالجزاءِ لِلمؤمنين والمنافقين، فقال سبحانه: {لِّيَجۡزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّٰدِقِينَ بِصِدۡقِهِمۡ وَيُعَذِّبَ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ إِن شَآءَ}⁣[الأحزاب: ٢٤] أي: إذا أصرُّوا على نِفَاقهم ولم يتوبوا {أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡۚ}⁣[الأحزاب: ٢٤] أي: إذا تابوا {إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا ٢٤}⁣[الأحزاب: ٢٤].

  ثم قال سبحانه: {وَرَدَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِغَيۡظِهِمۡ لَمۡ يَنَالُواْ خَيۡرٗاۚ وَكَفَى ٱللَّهُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلۡقِتَالَۚ وَكَانَ ٱللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزٗا ٢٥}⁣[الأحزاب: ٢٥] المعنى: أن الله تعالى ردَّ جموع المشركين الهائلة في هذه الغزوة المرعبة على النبي ÷ والمسلمين وأرجعهم من حيث أتوا لم يشفوا غيظهم ولم ينالوا من النبي ÷ والمسلمين أيَّ منال، بل رجعوا وهُزموا خائبين مغتاظين، وكفى الله المؤمنين القتال بالملائكة، وبالريح الباردة، وبقتل عمرو بن عبدِ ودٍّ العامري، وكان فارس تلك الأحزاب وعمادهم، وكان يُعَدُّ لألْفٍ، قتله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب #.

  وكان عمرو بن عبد ودّ قد قفز بِفرسه من فوق الخندق، ودخل إلى النبي ÷ والمسلمين ووقف بفرسه بينهم، ولم يدخل إلى المسلمين غيره إلا رجُل من قريشٍ قفز فوق الخندق فلم يبلغ الجهة الأخرى فسقط في الخندق فقتله المسلمون بالحجارة.

  أمَّا عمرو بن عبد ودّ فدخل إلى صف المسلمين ودعاهم إلى البراز فلم يجبه أحد؛ لعلمهم بشجاعته وقوة بدنه، وكَرَّر عمروٌ الدعاء إلى البراز، فلم يجبه أحد، بل سكتوا وكأنما على رؤوسهم الطير، وقد كان علي # يتهيأُ للقيام إلى براز عمرو في كل مرةٍ غير أن النبي ÷ كان يُسكته ويمنعه في كل مرة؛ رجاء أن يقوم غيره، أو من أجل أن يتبيّن فضل علي # على سائرِ الصحابة، فلمَّا تبيَّن للنبي ÷ وظهر عجزهم وخوفهم من الإقدام إلى مبارزة عمرو بن ودّ