لمحات من السيرة النبوية الشريفة،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[فتح الحديبية في ذي القعدة/ 6 هـ]

صفحة 108 - الجزء 1

  جلود النمور يعاهدون الله تعالى أن لا تدخلها عليهم عنوةً أبداً، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدَّموه إلى كراع الغميم⁣(⁣١)، فقال رسول الله ÷: «يا ويح قريش قد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خلّوا بيني وبين سائر الناس؟ فإن أصابوني كان الذي أرادوا، وإن أظهرني الله تعالى دخلوا في الإسلام وهم وافرون، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فماذا تظن قريش؟ فوالله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله تعالى به حتى يُظهرنيَ الله ø أو تنفرد هذه السالفة⁣(⁣٢)»، ثم أمر الناس فسلكوا طريقاً غير الطريق التي فيها خالد بن الوليد، حتى إذا بلغ الحديبية⁣(⁣٣) بركت ناقته ÷ فقال الناس: خلأت⁣(⁣٤) القصوى، خلأت القصوى، وقال ÷: «ما خلأت القصوى وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطّة يسألوني فيها صلة الرحم إلَّا أعطيتهم إيَّاها»، ثم قال ÷ للناس: «انزلوا»، فنزلوا على ثمد⁣(⁣٥) قليل الماء، فلم يلبث الناس أن نزحوه، فشكوا إلى رسول الله ÷ العطش، فانتزع ÷ سهماً من كنانته، وأمرهم أن يجعلوه فيه فخرج الماء بكثرة ببركته ÷.


(١) كراع الغميم: موضع بناحية الحجاز بين مكة والمدينة، وهو واد أمام عسفان بثمانية أميال ويبعد عن مكة نحو ستين كم.

(٢) السالفة: هي الرقبة، وأراد بذلك الموت.

(٣) ذكر في معجم البلدان أن بعضها في الحل وبعضها في الحرم، وهي على طريق جدة مكة القديم، على يمين الذاهب إلى مكة عند حدود الحرم.

(٤) الخِلاءُ فِي الإِبل كالحِرانِ فِي الدَّوابِّ. خَلأَتِ الناقةُ تَخْلأُ خَلْأ وخِلاءً، بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ، وخُلُوءاً، وَهِيَ خَلُوءٌ: بَرَكَتْ، أَو حَرَنَتْ مِنْ غَيْرِ علةٍ؛ وَقِيلَ: إِذَا لَمْ تَبْرَحْ مَكانَها، ... يُقَالُ: خَلأَتِ الناقةُ، وأَلَحَّ الجَمَلُ، وحَرَنَ الفرسُ. (لسان العرب باختصار).

(٥) الثمد - بسكون الميم وفتحها -: الماء القليل الذي لا مادة له. تمت (مختار الصحاح).