لمحات من السيرة النبوية الشريفة،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[فتح الحديبية في ذي القعدة/ 6 هـ]

صفحة 107 - الجزء 1

[فتح الحديبية في ذي القعدة/ ٦ هـ]

  وقع فتح الحديبية وبيعة الرضوان في ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة.

  أراد النبي ÷ أنْ يسير إلى مكة معتمراً، فدعا من حول المدينة من الأعراب وأهل البوادي ليخرجوا معه حذراً من قريش أن يعرضوا له ويصدوه عن البيت الحرام، فسار ÷ هو ومن معه وأحرموا وساقوا الهديَ ليُبيّن للنَّاس أنه لا يُريدُ حرباً، فتثاقل الكثير من الأعراب، وقالوا: يذهب إلى قومٍ قد غزوه في عقر داره، وقتلوا أصحابه، وظنّوا أنه سيهلك في سفره هذا فلا يرجع إلى المدينة، فاعتذروا بالشُّغلِ بأهاليهم وأموالهم.

  وقد ذكر الله تعالى خبر هؤلاء الأعراب المُتخلفين في سورة الفتح، فقال سبحانه: {سَيَقُولُ لَكَ ٱلۡمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلۡأَعۡرَابِ شَغَلَتۡنَآ أَمۡوَٰلُنَا وَأَهۡلُونَا فَٱسۡتَغۡفِرۡ لَنَاۚ يَقُولُونَ بِأَلۡسِنَتِهِم مَّا لَيۡسَ فِي قُلُوبِهِمۡۚ}⁣[الفتح: ١١]، يعني: أن تخلّفهم ليس لِما قالوا، وإنما عذرهم الذي خلَّفهم هو الشكُّ والنفاق، وطلبهم الاستغفار ليس صادراً عن رغبةٍ لأنهم مُنافقون لا يُبالون بالاستغفار ولا بعدمه، ثم قال تعالى مخاطباً لهؤلاء المنافقين: {قُلۡ فَمَن يَمۡلِكُ لَكُم مِّنَ ٱللَّهِ شَيۡـًٔا إِنۡ أَرَادَ بِكُمۡ ضَرًّا أَوۡ أَرَادَ بِكُمۡ نَفۡعَۢاۚ بَلۡ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرَۢا ١١ بَلۡ ظَنَنتُمۡ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِلَىٰٓ أَهۡلِيهِمۡ أَبَدٗا وَزُيِّنَ ذَٰلِكَ فِي قُلُوبِكُمۡ وَظَنَنتُمۡ ظَنَّ ٱلسَّوۡءِ وَكُنتُمۡ قَوۡمَۢا بُورٗا ١٢}⁣[الفتح] أي: هالكين.

  فخرج النبي ÷ فيمن خرج معه إلى مكة محرمين ملبِّين بالعمرة ومعهم الهديَ حتى بلغوا عسفان لَقِيَهم بشر بن سفيان الكعبي فقال: يا رسول الله هذه قريشٌ قد سمعت بمسيرك فخرجت معها العوذ المطافيل⁣(⁣١)، قد لبست لك


(١) العوذ المطافيل: النوق ذوات اللبن معها أولادها، وهي كناية عن النساء معها الأطفال.