لمحات من السيرة النبوية الشريفة،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[خلافة قرشية بحتة]

صفحة 213 - الجزء 1

[خلافة قرشية بحتة]

  كان لقريش وزنها وثقلها حين دخلت في الإسلام، وقد قال النبي ÷: «الناس تبع لقريش صالحها لصالحها، وطالحها لطالحها»، لذلك صار الناس بعد دخولها في الإسلام تبعاً لها، وقريش - وإن دخلت في الإسلام - فلا زالت صدروهم تغلي على النبي ÷ وعلى بني هاشم ولا سيما علي #، وذلك لما لحقها في حروبها مع النبي ÷ من القتل والأسر والهزائم، ثم دخوله مكة قهراً، وإرغامه لهم على الإسلام، وهذا بالإضافة إلى ما كان بين قبائل قريش من التنافس في الشرف، فرأت قريش أن بني هاشم قد سبقوهم في الشرف وأخذوا عليهم الفخر بأطرافه حيث بعث فيهم النبي ÷.

  فبعد موت النبي ÷ أصبح علي # هو المسؤول الأول عن ثاراتها، فصبَّتْ عليه أحقادها ووجهت إليه سهام غلّها؛ لذلك جهدت أن تحول بينه وبين الخلافة، ومن هنا قال عمر بن الخطاب لابن عباس في كلام دار بينهما: إن قريشاً كرهت أن تجتمع لكم الخلافة والنبوّة فتبجحوا على قريش بجحاً⁣(⁣١).

  وكان علي بن أبي طالب رحمة الله عليه يكثر التشكّي من قريش، وكان يقول: (والله ما زلت مظلوماً منذ قبض الله نبيه عليه وعلى آله السلام)؛ فلما مات النبي ÷ سيطرت قريش على الخلافة، فكانت خلافة قرشية بحتة، ليس لبني هاشم فيها أي حظّ ولا نصيب، وليس للأنصار - أهل المدينة - أيضاً فيها حظ ولا نصيب، فوجدت قريش باستيلائها على الخلافة فرصة للانتقام من أهل


(١) ذكره الطبري في تاريخه (٢/ ٥٧٨/ ط: دار الكتب العلمية) بلفظ: فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحاً بجحاً ... إلخ، ومثله في الكامل في التاريخ (٢/ ٤٣٩)، وفي شرح نهج البلاغة (١٢/ ٥٣): فيجخفوا جخفاً.