لمحات من السيرة النبوية الشريفة،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[اجتماع قريش على الفتك بالنبي ÷]

صفحة 65 - الجزء 1

  جبريل أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه، ولم يبت رسول الله ÷ تلك الليلة في بيته، وأمر علياً # أن يبيت في مضجعه فبات في مضجعه، وبات المشركون يحرسون علياً يحسبونه النبي ÷، فلما أصبحوا ثاروا إليه؛ فلما رأوا علياً قالوا: أين صاحبُك؟ قال: لا أدري، فاقتصوا أثره، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم، فصعدوا في الجبل فمرّوا بالغار، فأعمى الله أبصارهم، وتماماً كما قال الله سبحانه وتعالى: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدۡ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذۡ أَخۡرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثۡنَيۡنِ إِذۡ هُمَا فِي ٱلۡغَارِ إِذۡ يَقُولُ لِصَٰحِبِهِۦ لَا تَحۡزَنۡ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَاۖ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُۥ عَلَيۡهِ وَأَيَّدَهُۥ بِجُنُودٖ لَّمۡ تَرَوۡهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفۡلَىٰۗ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلۡعُلۡيَاۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ٤٠}⁣[التوبة].

  فخيَّب الله تعالى أمل مشركي قريش، وضيع سعيهم الجادّ في الفتك بنبيه ÷، وكانت قدرة الله تعالى فوق طاقتهم، وإرادته مهيمنة على مكرهم، فنجَّى الله تعالى نبيه ÷ من مكرهم، وأخرجه من بينهم وحفظه من شرِّهم، وقد ملأ الله تعالى قلب نبيه ÷ في تلك الحال سكينة وأمناً وطمأنينة، فكان ÷ في حال خروجه وحال اختفائه من مكر قريش في هدوء بال وانشراح صدر، لم يزعجه مكرهم ولم يقلقه طلبهم، ولم يدخل قلبه خوف ولا فزع رحمة من الله لنبيه وفضلاً أكرم به رسوله ÷، ولما خَفَّ طلب قريش للنبي ÷ وذلك بعد ثلاث ليال من دخوله الغار جاء أبو بكر براحلتين إحداهما للنبي ÷ والأخرى لأبي بكر، فلم يقبلها النبي ÷ من أبي بكر إلا بالأجرة، واستأجرا دليلاً يدلّهما على طريق بعيدة عن عيون قريش.

  وصاحب الرسول ÷ في الغار هو أبو بكر بن أبي قحافة، لا خلاف في ذلك، وبعض أهل السنة يستدلون بالآية على زيادة فضل أبي بكر على غيره من