أسرى بدر
  إلى هذا الرأي؛ لما هم فيه من الفقر والحاجة، وكان ÷ عظيم الرأفة والرحمة والشفقةِ بالمسلمين، يوافقهم فيما يرغبون، ويعطيهم ما يسألون ما لم يكن فيه إثم ومعصية، فلما رأى النبي ÷ رغبتهم إلا القليل في الفداء، وميلهم إليه، ومحبتهم له لما هم فيه من الفقر والحاجة، رقَّ لهم ونزل عند رغبتهم؛ لأنه لم ينزل عليه ÷ قرآن يُحَرِّمُ الفداءَ؛ لذلك نزل عند رغبتهم.
  وكان فداء الأسير خاصاً بالذي أسره لا يشاركه فيه غيره، فلم يأخذ النبي ÷ شيئاً في الفداء؛ لأنه لم يكن له أسير، ولم يُرْوَ أنهم خَمَّسُوا الفداء، فنزل قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ يُثۡخِنَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ ٦٧ لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ ٦٨ فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمۡتُمۡ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ ...} الآية [الأنفال]، فنبَّهَ اللهُ تعالى بذلك المسلمين ليعرفوا خطأهم، وأنه كان الأولى بهم والأجدرُ أن يقتلوا أسراهم، وأن لا يختاروا الفداء الذي هو منفعة عاجلة دنيوية على المصلحة الدينية التي هي إعزاز الإسلام وأهله، وإذلال الشرك وأهله، وأنه ما كان ينبغي أن يحصل مثلما فعلتم من فداء الأسرى إلا بعد أن يذل الشرك والمشركون بكثرة القتل فيهم والفتك بهم، ولو كان الله تعالى قد تقدم إليكم بالنهي عن أخذ الفداء ثم أخذتموه بعد النهي وعصيتموه لعذبكم، ولكنه تعالى لم يؤاخذكم على ما فعلتم؛ لأنه تعالى لا يؤاخذ أحداً بذنب إلا بعد أن ينهاه ويحذره، ولذا قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبۡعَثَ رَسُولٗا ١٥}[الإسراء] وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوۡمَۢا بَعۡدَ إِذۡ هَدَىٰهُمۡ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَۚ}[التوبة: ١١٥].
  فالصحابة هم الذين أخذوا الفداء دون النبي ÷ وقد كان النبي ÷