[الكلام في معرفة الحجج الدالة على بطلان الإحالة]
  فانظر كيف صرح سبحانه بأنه يرزق العصاة والمطيعين، ويفاضل بينهم، وكيف شرط سبحانه في سعي من سعى للآخرة أن يكون مؤمناً، وذلك يدل على بطلان سعي المطرفية الذي أظهروه وهم غير مؤمنين بأن الله سبحانه قاصد لخلق الفروع، ونحو ذلك مما خالفوا فيه اعتقاد المؤمنين على الحقيقة.
  والسابعة: قوله سبحانه فيما حكاه عن المؤمنين الذين تمنوا مثل ما أوتي قارون قبل أن يخسف به، فلما خسف به قالوا: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ٨٢}[القصص]، فانظر كيف حكى الله سبحانه عنهم ما يخالف اعتقاد المطرفية؛ لأنهم لو كانوا مطرفية لقالوا: إنه اغتصب أموال المسلمين، ولقالوا: تحرَّف قارون وتحيل، ولم يقصد الله سبحانه خلق رزقه، ولا تخصيصه به دون غيره.
  والثامنة: قوله سبحانه: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ٢٧}[الشورى]، فانظر كيف صرح سبحانه بأنه ينزل لأهل كل عصر أرزاقهم على حسب ما يعلم من المصلحة في التوسيع والتضييق، ولم يقل كما قالت المطرفية: إن الأرض كالرمة كل يأخذ منها بقدر قوته.
  والتاسعة: قوله سبحانه: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ٣٢}[الزخرف]، فانظر كيف صرح سبحانه بأنه قسم الأرزاق وفاضل بينها، ورفع بعض عباده فوق بعض محنة واختباراً، على حسب ما علمه سبحانه في ذلك من المصلحة.
  والعاشرة: قوله سبحانه: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ٧}[الطلاق]، فانظر كيف صرح سبحانه بأنه الذي يؤتي كل نفس رزقها، ويوسع لمن يشاء، ويقدر لمن يشاء، ولذلك لم يكلف سبحانه أحداً إلا بقدر ما آتاه.