[الكلام في معرفة الحجج الدالة على بطلان الإحالة]
  فلو كان الرزق كما قالت المطرفية موقوفاً على اختيار الإنسان لوجب عليه أن يطلبه لغرمائه، وإلا كان آثماً؛ لكونه مخلاً بواجب.
  وأما الآيات التي تدل على أن الله سبحانه قاصد لخلق الامتحانات والمضار، وخاص بها من يشاء من عباده: فالأولة(١): قوله سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ١٥٥ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ١٥٦ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ١٥٧}[البقرة]، فانظر كيف صرح سبحانه بأن كل ضر في النفوس - نحو الموت والسقم - وكل نقص فهو منه سبحانه. وكذلك كل عاهة تعرض للأموال والثمرات، نحو موت البهائم وأمراضها، والجراد، والبرد، والصحا، وأشباه ذلك، فهو كله امتحان منه سبحانه وبلوى، ووصف الصابرين على ذلك كله بالاهتداء، وأخبر أنه يصلي عليهم ويرحمهم؛ لأجل تسليمهم لحكمته، وصبرهم على بلائه، ورضاهم بقضائه.
  فلو كان جميع ذلك كما تزعم المطرفية ظلماً وفساداً لم يرضه الله سبحانه ولم يقصده لما استحق(٢) من يصبر عليه من الله سبحانه ثواباً، كما لا يستحقه من ألقى بنفسه إلى التهلكة، ونحو ذلك، وكما لا يستحق أهل النار الثواب على ما أصابهم بجناياتهم، فاعرف ذلك.
  والثانية: قوله سبحانه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٢١٦}[البقرة]، فانظر كيف بين سبحانه أن في بعض ما يكرهه الإنسان خيراً، وفي بعض ما يحبه شراً؛ لكون الله سبحانه أعلم بالمصالح، ولجهل الإنسان بعلم الغيب.
(١) في (ب): فالأولى.
(٢) نخ (ب، ج): ولما استحق ... إلخ.